حتى في محاربة الفساد… الأمر لحزب الله!

حسن فضل الله
قد لا يكون من المبالغة القول بأن المشهد السياسي اللبناني الحالي يعيش فراغا هائلا وجمود قد يصل حد الموت السريري للحياة السياسية اللبنانية التي يبدو أنها باتت خالية إلا من حزب الله الذي يصح فيه القول أنه مالئ البلد وشاغل الناس.

فالأسابيع الماضية ومنذ جلسات الثقة بالحكومة الجديدة، لم تشهد أي تحركات تذكر إلا بما له علاقة بحزب الله سواء منها الإعلامية والإستعراضية أم السياسية.

كانت البداية في الإشكال الذي حدث في المجلس النيابي والذي قام به النائب نواف الموسوي وأستوجب بعدها إعتذارا من النائب محمد رعد بإسم كتلة الوفاء للمقاومة وما إستتبعه من إجراءات أتخذت بحق النائب الموسوي كنائب في البرلمان دون أي رد فعل من رئاسة المجلس أو حتى من زملائه النواب كأن يسأل أحدهم مثلا عن مشروعية هكذا خطوة بحق نائب المفروض أنه يمثل ناخبيه قبل حزبه في مجلس النواب، ومرّ الأمر وكأنه حدث في بلد آخر.

الحدث الآخر كان فضيحة مستشفى الفنار والتحرك السريع المشكور للوزير جميل جبق وهو ممثل لحزب الله في الحكومة، بغض النظر عن تعقيدات هذا الملف وتوقيت فتحه والأهداف التي قد تكون وراءه، كذلك تحرك وزير الصحة في عكار هذه المرة والتصريحات ألتي أطلقها والضجة التي أثارها بإعتبار أنها معقل من معاقل خصومه السياسيين الحصينة والتي حاول بعض الأطراف تفسيرها بالسياسة وهي لا تفسر للأسف بغيرها في بلد مثل لبنان مع أنها خطوة المفروض أنها جد عادية وطبيعية.

أما الحدث الثالث المرتبط بحزب الله أيضا وهذه المرة له إرتباط بالخارج، فكان إعلان بريطانيا تصنيفها للحزب بجناحيه السياسي والعسكري منظمة “إرهابية” وما رافقه من ردود فعل رسمية عليه، سواء من قبل رئيس الوزراء أو وزير الخارجية، والتي تعاملت معه بشبه تجاهل وإستخفاف وهو قرار خطير إن لم يكن على المدى المنظور فعلى المدى المتوسط والبعيد ربما.

والحدث الأخير وربما هو الأهم على مستوى الداخل اللبناني وطبيعة العلاقة بين الأفرقاء فهو بلا شك حديث الفساد من باب ال 11 مليار دولار الشهيرة، والذي يخفي وراءه ما يخفي من كيدية سياسية وإستنسابية في طرح الملفات.

نسارع لنقول أن الحرب على الفساد لا يمكن لعاقل في لبنان أن يقف ضدها إن كانت فعلا شريفة وهدفها تبيان الحقائق والإضاءة على أبواب الهدر المفتوحة منذ سنين، على أن لا تكون باباً للإستهداف السياسي لأنها في هذه الحالة تفقد مصداقيتها ويصبح ضررها مضاعفا على البلد والناس.

ولا يخفى على أحد أن إستهداف الرئيس فؤاد السنيورة دون غيره في كل مرة يفتح فيها حديث الفساد ومن نفس الفريق السياسي، لهو مدعاة للشك في خلفية الأهداف التي تقف وراء هذا الإستهداف.

وهكذا نجد أن الوضع يبدو وكأن حزب الله هو محور هذا البلد وحديثه وبأن الحياة السياسية باتت معدومة وكلها تدور فقط في فلك حزب الله، حتى الحكومة التي نفى البعض أنها حكومة حزب الله والتي أستقبلت بالكثير من التطبيل والتزمير والتبشير بالإنجازات القادمة، بدت في أولى جلساتها حكومة مفككة يغنّي كل طرف فيها على ليلاه، وهو أمر كان معروفا ومتوقعا لكل متابع ومراقب سياسي، بحيث بدأت المشاكل تعترضها قبل إجتماعها حتى وذلك عبر زيارة وزير شؤون النازحين إلى سوريا، وتصريحات وزير الدفاع عن المنطقة الآمنة في سوريا، لتأتي “خبطة اليد” على الطاولة لتنهي أولى جلساتها على زغل، ولولا حرص الرئيس سعد الحريري الدائم على علاقته برئيس الجمهورية وعلى التسوية التي عقداها معا والتي تظهره دائما كبالع الموسى غير قادر على رميها ولا قادر على بلعها، لربما ذهبت الأمور إلى ما لا تحمد عقباها.

اقرأ أيضاً: ‏لماذا يكره ‎حزب الله الرئيس فؤاد السنيورة؟

من هنا يمكن القول بأنه إذا كان البعض قد إستنكر تسمية الحكومة بحكومة حزب الله، فإن الواقع يشي بأن البلد كله والدولة لا الحكومة فقط باتت دولة حزب الله وهذا الواقع لا يدين حزب الله إلا بما للحزب من إرتباطات خارجية يتباهى بها، لأن لكل طرف سياسي الحق في السعي لكي تكون السلطة بيده كي يعمل لتطبيق مشروعه السياسي، بل المسؤولية الكبرى تتحملها كل الأطراف السياسية الأخرى التي يبدو أنها أصبحت بلا مشروع سياسي تطرحه أو في أضعف الإيمان هي عاجزة عن الدفاع عن مشروعها والتضحية في سبيله ولو ببعض المكاسب في السلطة بحجة المقاومة من الداخل وعدم ترك الساحة للخصم، وهي وجهة نظر أثبتت فشلها أو عدم واقعيتها حتى الآن.

السابق
بالصورة: برشلونة يسخر من ريال مدريد بطريقة تسويقية
التالي
برنامج «رغبة وإرادة» يدخل ضمن مشروع بسمة الدولية للحق في التعليم