بالنسبة للتمييز بين المفهومين يقول سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين “لا أرى فرقاً بين مصطلحي الدولة المدنية والعلمانية، ويبدو أن البعض بدأ يقتنع بالدولة العلمانية، ولكنه ما زال يتحسس منها فيقبل بمصطلح الدولة المدنية، ونحن نرى أن الدولة المدنية لا يجوز أن تكون مقيّدة بأي قيد طائفي أو فئوي أو حزبي، وبالأخص ديني، وذلك تطبيقاً لمفهوم مدنية الدولة الحديثة التي تقوم على ثلاث ركائز اساسية وهي الديموقراطية والعقلانية والعلمانية”.
اقرأ أيضاً: العلامة السيد محمد حسن الأمين: الإسلام لا يتعارض مع العلمانية
ويستغرب السيد الأمين من الذين “يهاجمون فكرة الدولة العلمانية في بلد كلبنان، النظام السياسي فيه علماني لأن مصادر التشريع لا تعتمد على دين أو شريعة دينية وكل ما في الأمر ولكي تصبح دولة لبنان مدنية أو علمانية بالشكل الصحيح لا يكون إلا من خلال تجاوز المحاصصة الطائفية في مسؤوليات الدولة إذ أن مشكلتنا ليست مع الدين، بل هي مع الطائفية السياسية، ومن المعلوم أن الطائفية ليست بالضرورة ذات نزعة دينية ولكنها مع ذلك محسوبة على الدين، وفي الحق أننا قلنا ونكرر ما قلناه في مواضع كثيرة سابقاً وهو أن الدولة المدنية أو “العلمانية المؤمنة” كما شرحنا، هي لحماية حق التديّن وليست بالضرورة علمانية لحماية الملحدين كما يصوّرها البعض. فالإلحاد ليس نظاماً سياسياً وإنما هو عقيدة كما هو الأمر في الدول الشيوعية، بينما العلمانية ليست كذلك فهي تتضمن حرية الأديان وتعددها، وفي بلد كأمريكا مثلاً، فإن الدولة تحمي الدين من العلمانية بخلاف العلمانية في فرنسا، التي تحمي فيها علمانية الدولة من الدين”.
ويؤكد السيد الامين “ان دولة علمانية في العالم الإسلامي لا يمكنها أن تعادي الدين، لأن ذلك يتنافى مع الحرية حقوق الإنسان التي تتضمنها العلمانية، والتي كما أشرنا أنها ليست، أي العلمانية، عقيدة مقابل عقائد أخرى وإنما هي نظام حكم يتوخى العدالة والمساواة بين المواطنين وهكذا تكون المواطنة التي لا يمكن أن تتشكل في حياة شعب يعيش في ظل دولة أيديولوجية، دينية كانت أم غير دينية”.
وبرأي السيد الأمين “تستطيع أن تكون الدولة المدنية منتمية إلى الإسلام على شاكلة الدول العربية التي ينص دستورها أن دين الدولة هو الإسلام، خصوصاً عندما تكون الأغلبية الساحقة في المواطنين مسلمين، فدين دولتهم الإسلام دون ان يتم تأسس النظام السياسي على قاعدة الأحزاب الدينية، أي ان لا يكون نوعا من الإسلام السياسي، بل أن يكون التنافس على الحكم نابعاً من برامج مدنية دون أن يتحوّل الدين إلى غطاء، فيُستغل في الميدان السياسي”.
اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الفقر ليس السبب الأول للطلاق!
ويرحّب السيد الأمين “بقبول الأحزاب الإسلامية لمفهوم الدولة المدنية، ولكننا نشك بأن هذا الترحيب جدي إذا أن لكل حزب إسلامي أيديولوجيته الخاصة التي يعمل بواسطتها للوصول إلى الحكم، وهذا يشبه ما يطرحه البعض بشأن الديموقراطية بحيث أنه يقبل بالديموقراطية عندما تكون فرص الفوز عنده قوية، وبعد استلام الحكم تمضي هذه الديموقراطية ويصبح المواطن رهن العقيدة الحزبية الدينية الحاكمة”.
ويخلص السيد الامين بالقول انه لا بد من دخول العلمانية الى المجتمعات الاسلامية على قاعدة التنوع وتعدد الاحزاب، وحتى تلك التي تدعو إلى تطبيق الشريعة إذا كانت الإرادة الشعبية بأغلبها تريد ذلك، فبمقتضى “العلمانية المؤمنة” أو “الدولة المدنية”، فهي تخضع لموجبات هذا الاختيار الشعبي الديموقراطي، ولكن لا على أساس أن يحكم هذا الحزب بإسم الدين، بل بإسم القانون الذي يختاره المواطنون، وجوهر ما نقول في هذا المجال: أن شرعية أية سلطة لا يمكن أن تستمد من ادعاء تمثيلها للحق الإلهي على الأرض، وهذه هي أزمتنا الحقيقية مع الأحزاب الدينية”.