عبد الحليم حمود والإقامة الجبرية في محرقة الكاريكاتور

جمع أرشيفه من رسومات كاريكاتورية وأحرقها، هل هذا هو واقع الصحافة بشكل عام أم واقع رسامي الكاريكاتور بشكل خاص، بعد أن ضاقت بهم سبل العيش، وخانهم زمنهم فحجب جمال إبداعهم.

“ليس قراراً مجنوناً ولا استعراضاً بهلوانياً أن أحرق 2000 رسم كاريكاتوري دفعة واحدة في لحظة واحدة، هو فعل احتجاج وخيبة ومصارحة”.

هكذا عبّر الرسام الكاريكاتوري والروائي عبد الحليم حمود عن نفسه، وتابع “إضرام النار برسوماتي هو إشهار حالة القرف والاستياء والغضب والصراخ، بل هو إعدام لعمر بأكمله بما فيه من ذاكرة ونوستالجيا حميمة في صحف عريقة”.

ظهيرة الأحد 25 تشرين الثاني 2018 ، حمل حمود أكياس رسوماته بمساعدة الأصدقاء، جمعهم في نقطة واحدة وأضرم النار بهم، وكانت “الشعلة” حسب تعبير حمود، لم يكن الموقف جنائزياً كما قال، تفادى التفكير بالموقف المأساوي عن طريق الإكثار من الحركة والتعب ليحيّد عقله عن التفكير بما تفعله يداه.

اقرأ أيضاً: «دار الصياد» تغيب في زمن أفول الصحافة الورقية

في اتصال مع “جنوبية” استعرض حمود نضالاته وكفاحه وشغفه بفن الكاريكاتور ومهنته وقال “هذا الأرشيف بحجمه ونوعيته مكدس أمامي وارتأيت أن أحرقه بنفسي وأن لا يفعل ذلك أحد آخر غيري، وفلسفتي هي إما التقدم إلى الأمام ولو وصلت إلى الهاوية أو التراجع إلى الخلف ولو كان ذلك انتحارا، فالجمود لن يفضي إلى شيء، هو الموت نفسه، لذلك الصعقة تصيب الإنسان الغارق في الكوما لتوقظه وتعيده إلى الحياة أو تميته ، ولن أندم على فعلي هذا والغضب جاء بحجم تراكم 27 سنة جهد دون نتيجة”.

بعد تاريخ طويل وطموح منذ الطفولة ومعاصرته لكبار الرسامين والمبدعين في هذا المجال، وتطلعه للعمل كرسام في جرائد لبنانية مهمة كرسام محترف مثل محمود كحيل وبيار صادق وستافرو جبرا وحبيب حداد، وصل إلى خلاصة مفادها أن “صحيفة ‘السفير’ نفسها أضرم الأستاذ طلال سلمان النار بها، بما تمثله من ذاكرة للمجتمع، وبعدها ‘الأنوار’ التي لم تعد تعتمد الفن الكاريكاتوري بشكل يومي بعد وفاة جان مشعلاني ليقفل بعد ذلك ‘دار الصياد’ بكل فروعه بما تمثله هي الأخرى من منبر للفن الكاريكاتوري”.

يلفت حمود بأسف إلى أنه “عندما يموت الكبار تنعدم البدائل، عندما رحل ملحم عماد لم تأت ‘اللواء’ برسام بديل عنه، وكذلك عندما رحل ستافرو جبرا وكان شاغل الدنيا بحضوره ونجوميته، وأيضا لا تعتمد ‘البلد’ رساما آخر بديلا، ‘الأخبار’ اعتمدت عليّ كرسام غير ثابت كل ذلك يدل على تغييب هذا الاختصاص عن عالم الصحافة”.

وردا على الآراء التي استنكرت إحراقه لأرشيفه الكاريكاتوري الفني، تساءل حمود ” من يسأل ويهتم إنما يفعل ذلك انطلاقاًمن خيبة شخصية وألم ذاتي.”

خطوة حمود جاءت متأخرة في رأيه، وهو لا ينتظر رد فعل من أحد وسط ازدحام هموم اللبنانيين، فقد كان قد أعلن “مرحلة إشهار الإفلاس في ظل غياب رأي عام واع ووجود كتلة ثقافية فارغة من مضمونها، وأيضا في ظل تلهي الناس بأزمات تتوالى بحيث تصبح التفاصيل أمرا ثانويا بالنسبة لها، فالمواطن اللبناني لا يعنيه وجود حفرة، ولا يراها إلّا بعد أن تقطع طريقه”.

لم يبتعد حمود عن الواقعية ولم يتنكّر للتغييرات الكبيرة التي طرأت على عالم الصحافة وتقنياتها وعلى الرغم من تأسيسه موقعا إلكترونيا خاصاً بفن الكاريكاتور أطلق عليه اسم “أفكارتون”، إلا أنه اعتبر أن “المواقع الإلكترونية هي الأخرى أصبحت مجانية ولا يمكن اعتمادها كمصدر للعيش”، مضيفا “السبب الآخر هو تحوّل الكثيرين من رواد وسائل التواصل الحديثة إلى اعتماد الفوتوشوب وتلقائية العمل والنشر مباشرة، فيصبح عمل الفنان الكاريكاتوري في الجريدة غير مجد لتأخر صدور الجريدة إلى اليوم التالي، إذن الجريدة نفسها تعاني من مأزق وجودي في مواجهة جيل نظام اللمس الأكتروني” وفي ظل “شح النقد والإقبال على معارض الفن التشكيلي، والغياب التام للدولة والمسؤولين المعنيين في هذا المجال”.

أمين سر نقابة المحررين جوزيف القصيفي أسف لقيام حمود بإحراق أرشيفه، وتحويله إلى رماد مبديا احترامه لأمر يعنيه بشكل مباشر وشخصي، وقال ” حمود عبّر عن أزمة حقيقية تعيشها الصحافة الورقية، ولكن لا يجب أن توصد أبواب الأمل لإحياء هذا القطاع وإيجاد دوره ورسالته، من خلال رؤية تستلهم التقنيات الحديثة في الإعلام وتذهب مباشرة إلى اهتمامات الرأي العام والتي اختلفت بطبيعة الحال عن الأمس، لذلك أقول إنه علينا أن نستنبط دورا جديدا للصحافة الورقية بالتوازي مع الصحافة الإلكترونية، لتضييق فجوة الخسائر وتأسيس دور جديد للصحافة”.

جوزيف القصيفي

من جهة أخرى حمّل القصيفي الدولة اللبنانية مسؤولية إهمالها لقطاع الصحافة معتبراً أن “هناك تدابير يجب أن تُتخذ من قبل الدولة لمساندة الصحافة وهي من المرافق العريقة التي شكلت وواكبت نشوء دولة لبنان الكبير، ودفع أبناؤها حياتهم وتحولوا إلى شهداء على مذبح الوطن” وأضاف القصيفي “الصحافة هي التي تكتب مسودة التاريخ ولا يمكن كتابة تاريخ لبنان الحديث من دون العودة إلى الصحف اللبنانية، وهي تمثل إرثا ثمينا وإذا كانت الأجيال الحديثة ليست على بينة بمدى أهميته، فإنه يتوجب على الدولة دعم الصحافة وأن تكون وفية من خلال تأمين الحوافز وتوفير الضمانات الاجتماعية والصحية والإعفاءات المادية وأن تختصر 50% من نفقات الصحافة وتخفف عنهم أعباء الحياة”.

ووعد القصيفي بتنفيذ برنامج من شأنه النهوض بالصحافة اللبنانية في حال فوزه في الانتخابات المقبلة وقال “سأدعو أولا إلى مؤتمر وطني عام بالتعاون بين القطاعين العام والخاص وذلك لبحث أزمة الصحافة والخروج بتوصيات يتم تحويلها إلى مشاريع قوانين تدعم الصحافة”.

السابق
الهبة الروسية بين نفي الحريري وادعاءات الأخبار
التالي
قطع الطريق على تقاطع المدينة الرياضية بالاطارات المشتعلة من قبل بعض المحتجين