توقفوا عن إضفاء الطابع الرومانسي على صورة المحتج الفلسطيني – إنها ليست لحظة شعرية

محتج فلسطيني
لكن صورة حسونة لا يمكن أن تكون أكثر واقعية. تكمن خلف طاقتها الحركية الملحوظة وديناميكيتها البصرية إحدى أكثر أوضاع حقوق الإنسان بؤساً في العالم.

صورة واحدة قد تساوي ألف كلمة، لكن في عالمنا المتصل اليوم أكثر من أي يوم مضى، الصور الجيدة كفيلة بأن تولد المزيد والمزيد من التغريدات. صورة المحتج الذي يحمل العلم الفلسطيني في يدٍ ويحمل في الأخرى مقلاعًا كاشفًا صدره، وهي صورة التقطها المصوّر الفلسطيني مصطفى حسّونة في غزة، قد حققت هذين التأثيرين.
التقطت الصورة مع استمرار التظاهرات على الحدود الإسرائيلية.أعلنت وزارة الصحة في غزة عن جرح 32 فلسطينيًا جراءإطلاق الرصاص الحي وقنابل الغاز من قبل القوات الاسرائيليةعندما رشقهم المحتجون بالحجارة. الصورة أثارت ردة فعل ضخمة على الإنترنت،وقارنها مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي باللوحة الأيقونية “الحرية تقود الشعوب” ل”يوجين ديلاكروا”، التي رسمت تخليدًا للثورة الفرنسية.

اقرأ أيضاً: دراسة: كي لا يصبح حزب الله خيار الشيعة الأوحد

من اللحظة التي نتفحص فيها هواتفنا في الصباح، معظمنا يتم قصفه بالمعلومات والصور، وبعضها قد يكون مزعجًا.هذه الصورة مدهشة بشكل لا يمكن إنكاره، لكن ردة الفعل عبر الإنترنت تظهر لهجة مقلقة للانفصال في وجه المعاناة الإنسانية، الأمر الذي أصبح كثير الشيوع.
لوحات مماثلة للوحة “ديلاكروا” زينت جدران المعارض لعدة قرون،مغمورة داخل إطارات ذهبية مزخرفة ومحمية بالزجاج، شخصياتهم بعيدة، توفر لنا فانتازيا رومانسية عن عوالم قد ولت. قد تكون مبنية على أحداث تاريخية، لكن عقولنا يمكن أن تفهم بسهولة أنه لا يوجد شيء حقيقي وراء هذه اللوحة الزيتية.
لكن صورة حسونة لا يمكن أن تكون أكثر واقعية. تكمن خلف طاقتها الحركية الملحوظة وديناميكيتها البصرية إحدى أكثر أوضاع حقوق الإنسان بؤساً في العالم.
وحامل العلم ، الذي حددته قناة الجزيرة باعتباره عائد أبو عمرو، البالغ من العمر 20 عاماً، هو واحد من مليوني شخص تقطعت بهم السبل في قطاع غزة الصغير، غيرقادرين على المغادرة.وشهد هذا العام مئات القتلى على أيدي القوات الإسرائيلية ، التي أدانتها الأمم المتحدة لاستخدامها “القوة المفرطة” ضد المتظاهرين،وكان من بين القتلى مسعفون غير مسلحين مثل رزان النجار (21 عامًا)،وقتل صبي يبلغ من العمر 12 عاما بالرصاص.
في وقت سابق من هذا الشهرحذر تقرير للأمم المتحدة من أن الحصار الإسرائيلي سيجعل غزة ، ثالث أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم ، “غير صالحة للسكن” بحلول عام 2020. 97 في المائة من مياه الشرب في الإقليم غير صالحة للشرب ولا يوجد سوى أربع ساعات من الكهرباء يومياً.
هذه الحقائق محزنة للقراءة، ولكن هذه الحالة اليائسة قد سهلتها الحكومات في جميع أنحاء العالم، ممكّنة بأن يتم قبولالجرائم ضد الإنسانية يومًا ما.
إن إضفاء الطابع الرومانسي على صورة رجل يائس يهاجم جيشا، يسمح لنا بتبرير ظروفه وصرف انتباهنا عن الحقيقة القاتمة ،أنه في الواقع، نادرًا ما يهزم داوود جالوت. عائد يمكن أن يموت اليوم، غدًا، أو بعد أسبوع من ذلك. إذا استمر في الاحتجاج، فهذا الأمر يكاد أن يكون حتميًا.
الاحتجاج، هو بالطبع خيار، لكن هناك أيضًا خيار إسرائيل لمواصلة انتهاك القانون الدولي من خلال البناء على الأراضي الفلسطينية والتخطيط لهدم القرى الفلسطينية – وهي جريمة حرب محتملة. وكان خيار الولايات المتحدة أن تعمد إلى تأجيج الوضع عن طريق نقل سفارتها إلى القدس، ما تسبب في إراقة الدماء.
أن تبقى دون أمل في ما هو في الأساس سجن في الهواء الطلق، حيث خمسون في المائة من الأطفال لا يعربون عن إرادة للعيش، فيما ينظر العالم في الاتجاه الآخر، ألا توجد فرصة أن نقومبنفس الشيء؟

اقرأ أيضاً: «يوم العودة»الفلسطيني صفعة في وجه «صفقة القرن» الاميركية

في أكثر الاستجابات تفاهة، لاحظ مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي الفك المنحوت لعائد ولياقته البدنية. هذا الهوام بمعاناته فاحش، لكن فكرة أن الألم الذي تعاني منه الجماعات المهمشة هو ثمن يستحق دفعه للحصول على الفن الجميل، أقدم بكثير حتى من لوحات “ديلاكروا”.
من الهجمات الكيماوية التي يقوم بها الأسد في سوريا، إلى جثث الأطفال اللاجئين على شواطئ أوروبا، تتمتع الصور بقدرة راديكالية على استجلاب التعاطف الذي يمكن أن يغير العالم. لكن ردة الفعل المتقدة لهذه اللقطة الخاصة، لشخص ما يُخاطر حرفيا بأن يتعرض لإطلاق النار، تمثل انفصالنا المتنامي عن الألم ونقص المسؤولية الجماعية عنه.
لا تدع هذه الصورة تخدعك: لا يوجد شيء جميل أو شاعري في مسألة اضطهاد الفلسطينيين. وبعيدًا عن العدسة، يستمر البؤس الدائم في الحياة المهدورة والموت غير الضروري في غزة – ويجب ألا نترك هذا الأمر ينجرف خارج تركيزنا.

(لويس ستابلز – موقع جريدة الأندبندنت)

السابق
من لبنان الى تركيا عبر سوريا… شبكة ناشطة لتهريب البنغلادشيين
التالي
سعد الحريري أيوب لبنان