جدل اللجوء والعودة في ندوة بتوقيع أمم: عودتان أم إقامتان حتى إشعار آخر؟

امم للتوثيق والابحاث
متابعة لسلسة النشاطات التي تقوم بها أمم للتوثيق والأبحاث تحت العنوان العام «على الرحب والسعة؟ ــ لبنان في لاجئيه»، دعت يوم السبت الماضي إلى ندوة مغلقة تداول المشاركون فيها في مفهوم «العودة»، نظريًّا وعملِيًّا، وفي توفر شروط «العودة» سواء بالنسبة للنازحين/اللاجئين السوريين أو بالنسبة للاجئين الفلسطينيين.

افتتح اللقاء، باسم مؤسسة أمم، مديرها المشارك لقمان سليم فشكر أولًا «معهد العلاقات الثقافية الخارجية الألماني (إيفا)» الذي يتيح دعمه تنظيم مثل هذا اللقاء ثم استطرد فلفت إلى أن حديث «العودة» ــ «عودة اللاجئين السوريين» إلى سوريا ــ يستأثر منذ أشهر بقدر وافر من حديث السياسة والإعلام في لبنان، بل من الشأن اللبناني العام، وإلى أن «المبادرة الروسية» الرّامية إلى إعادة هؤلاء اللاجئين، بصرف النظر عن الموقف السياسي منها، كشفت، مجدّدًا، عن مدى قصور السياسات اللبنانية بدليل اضطراب الموقف اللبناني الرسمي منها، كما لفت إلى أن من مترتباتِ التَّركيز على «اللجوء السّوري» وعلى «اللاجئين السوريين» إغفالًا للبحث في شأن لاجئين آخرين يأويهم لبنان، وفي المحل الأوَّلِ من هؤلاء اللاجئون الفلسطينيون، الذين تتضافر المؤشرات على أن فرص عودتهم، في المدى المنظور على الأقل، تتضاءل، مستخلصًا أنه لا مبالغة قط من التساؤل: هل يـُمْتَحَنُ لبنانُ اليوم بعودةٍ واحِدةٍ، أم أنَّه، في الحقيقة، أمام امتحان عَودَتينِ، ومن يقل عودة لا بد له أن يحتمل نقيضها، أي الإقامة المستدامة، وعليه، فهل يمتحن لبنان اليوم بإقامة مستدامة واحدة أم لا بد من الاعتراف أننا أمام إقامتين مستدامتين فلسطينية وسورية وأن هذين اللجوئين ينبغي أن يعالجا تحت هذا العنوان؟

اقرأ أيضاً: «ناشط» تنظم كأس حملة «موجودين»

توزع اللقاء على جلستين اثنتين أدار الأولى منهما الباحث جاد يتيم وأدار الثانية الإعلامي وفيق هواري. تحت عنوان «العودة في تصورات اللبنانيين» تحدث أولًا جورج غالي من منظمة «ألف» فاعتبر أن النقاش الحالي عن عودة اللاجئين السوريين يدور حصراً في فلك السياسة ولا يلقي بالًا إلى المعايير الحقوقية الدولية التي تنظر إلى العودة في إطار يتجاوز السياسة بمعناها السجالي، ويتجاوز الاستقرار بمعناه الميداني العسكري البحت. عمليًّا لا عودة قبل تحديد الفئة المرشحة للعودة وهذا بدوره يفترض التوصل إلى تمييز من تنطبق عليهم صفة اللاجئين ومن لا تنطبق عليهم هذه الصفة. وعلى افتراض أننا توصلنا إلى ذلك ــ مع استبعاد أن نتوصل ــ فالعودة الآمنة تستدعي توفر ضمانات حماية وترتيبات مستدامة ونحن بعيدون جدًّا عن كل هذا. بالمختصر، رغم ضجيج التصريحات والمواقف، فإن النقاش الجدي عن عودة اللاجئين السوريين لم يبدأ بعد!

عودتان في امم للتوثيق والابحاث
ثم كانت كلمة للناشط السياسي، ومنسق المرصد اللبناني للفساد، شارل سابا اعتبر فيها أن العودة، أو أي حل دائم آخر لمسألة اللاجئين والنازحين، إنما يخضع للواقعية السياسية في العلاقات الدولية: بتعبير آخر، إن مسارات العودة، على غرار المسارات التي أدت بهذه الجماعة أو تلك إلى مغادرة موطنها، هي تبع لموازين القوى الدولية والإقليمية. وفي مقابل هذه الظروف الدولية والإقليمية، لا سبيل إلى انكار الانقسام اللبناني العميق حول مسألة اللجوء واللاجئين. وانتهى سابا بعد مطالعة مسهبة عن تعبيرات الانقسام هذه إلى التساؤل: «هل من المستبعد حقًّا، في ظل الانقسام اللبناني، وفي ظل الواقعية السياسية للقوى الكبرى، أن يدخل يدخل اللاجئون والنازحون إلى لبنان، من فلسطينيين ومن سوريين وغيرهم، في لعبة الفرز السكاني، (العرقي والديني والمذهبي)، الذي يبدو حاكمًا على مسار النزاعات والحلول؟».

وضعت الجلسة الثانية من جلسات هذه الندوة تحت عنوان «العودة بلسان المدعويين إليها»، وقد تحدث خلالها كل من الباحث اللبناني جاد يتيم، والإعلامي السوري أحمد القصير والناشط الفلسطيني سامر مناع.
قدم جاد يتيم لهذه الجلسة فاعتبر أن العامل الاهم الذي يغيب عن النقاش بالنسبة لعودة اللاجئين السوريين الى بلادهم هو ببساطة أن النظام السوري لا يريد إلا عودة على قياسه الدليل على ذلك ما كرره مسؤولو النظام من حديث عن «المجتمع المتجانس» و«الجنسية لمن يستحقها» وما يسنه النظام من تشريعات تصد عن العودة بل تقطع عليها الطريق العودة. أما في الملف الفلسطيني، فمن الواضح أن العودة، حتى إشعار آخر، مصطلح فلكلوري. من ثم فنحن اليوم، ببساطة، امام استحقاق عنوانه التأقلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي مع اللجوئين السوري والفلسطيني.
تلا ذلك مداخلة للإعلامي السوري أحمد القصير مما جا فيها: «لطالما تبنى النظام السوري القضية الفلسطينية وخير دليل على ذلك إنشاؤه فرع فلسطين الذي قتل فيه من الفلسطينيين ومن السوريين اكثر مما قتلت إسرائيل… نعم، السوريون يشتركون اليوم مع الفلسطينيين في الشتات ولكن المُشَتِّت الذي نشكو يعتبر نفسه «صاحب البيت والحق» في حين أن إسرائيل، رغم كل ما فعلته خلال العقود الماضية، لم تحسم بشكل نهائي شرعية حقها وقانونيته. نعم، نريد العودة إلى سوريا ولكننا نريد عودة آمنة طوعية، فلا تتحول العودة إلى فخ يقتل فيه من نجا بنفسه يوم طلب الأمن والأمان في لبنان أو في سواه…».
ختامًا تحدث سامر مناع فرفض أية مقارنة بين الأزمة السورية وعودة النازحين وبين القضية الفلسطينية وعودة اللاجئين الفلسطينيين، نظرًا لما وصفه بخصوصية الموضوع الفلسطيني واستمرار الاحتلال والاستيطان وعدم تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بعودة اللاجئين الفلسطينيين كالقرار الدولي رقم 194. انطلاقًا من هذا الرفض، اعتبر مناع أن الوجود الفلسطيني في لبنان خاضع لـ«حق العودة»، وأن المطلوب اليوم لتخفيف عبء اللجوء الفلسطيني إلى لبنان هو الإفراج عن الحقوق الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، باعتبار أن هذه الحقوق هي السبيل إلى إفشال أي سيناريو لتوطين الفلسطينيين.

 

السابق
«ناشط» تنظم كأس حملة «موجودين»
التالي
السيد: جنبلاط قارئ جيّد