لماذا يفقد المجتمع اللبناني قدرته على الاحتجاج؟

علي الأمين
الطريقة التي تدار فيها عملية تأليف الحكومة، تكشف عن المدى الذي وصلت اليه الدولة من عجز وترهل، وتفضح عجز مكونات السلطة حتى عن إدارة الأزمة، اللبنانيون امام سؤال كبير يتصل بسؤال هل لبنان دولة أم لا؟

نحن شعب فقد قدرته على الاحتجاج، عاجز عن المواجهة، لا نريد مواجهة مسار تدمير الدولة، ولا التضامن في مواجهته، لم يعد يستفزنا نهب مسؤول من هنا او هناك للمال العام، ولا استباحة مافيات محمية من أركان في السلطة لمؤسسات الدولة، لا يضير مسؤول في الدولة برتبة موظف على سبيل المثال لا الحصر، أن ينظم لأحد أفراد عائلته حفل زفاف لا يقيمه عادة الى أصحاب الثروات الطائلة، من حق أي انسان او مواطن أن يحتفي ويفرح في مناسبة زفاف نجله أو كريمته، لكن ليس من حق موظف في الدولة مهما علت رتبته أن يبالغ في إقامة حفل باذخ مستفز للمواطن في دولة منهكة بالعجز والفساد والبطالة والفقر.
نحن شعب لم يعد يستفزه ولا يثير حميته أو كرامته، أن يخرج عليه رئيس أو وزير أو مسؤول كبير في هذه الدولة، ليلقي على الناس خطاباً رنّاناً في الدعوة الى اعلان الحرب على الفساد ومحاسبة المفسدين، بل نصفق له ونشيد ببلاغته وجرأته ولا نحتج على وقاحته، رغم أن كل واحد منّا نحن المواطنين، يعلم علم اليقين أنّ ما من مزراب في خزينة الدولة، الاّ وثمّ مسؤول كبير في هذه الدولة، يحرسه ويمنع اغلاقه، وما من صفقة مشبوهة تطال المال العام، إلاّ وهناك صاحب سلطة في الدولة مشارك في انجازها لصالحه، او للأقربين من المستزلمين.
يجري نهب الدولة واستباحتها من دون أن يتحرك المتضررون، وهم الشعب او المواطنون اللبنانيون الذين تنهال عليهم الضرائب كسياط على ظهورهم بلا توقف، ويُستدان باسمهم لنهبهم مجدداً وبلا تردد، وهم يعلمون أن لا قضاء ولا سلطات رقابة، تعمل على مساءلة من سرق ومن نهب ومن أفسد، بل يستمر خطاب الإصلاح والدعوات لمكافحة الفساد من أعلى السلطات بلا خجل منهم وبلا مساءلة من أحد، ولا من يُستفز ولا من يصرخ من ألم! ربما لأننا ادمنا الألم المتأتي من الإهانة، فقبلنا أن نصطف كقطيع ضمن جماعات لا يقوم التضامن فيها الا على الانتماء العصبي، لا التضامن الطوعي أو المدني.
أسباب تافهة تحول دون تشكيل الحكومة، نعم تافهة جداً، ومقولة أن أسباباً خارجية وراء تعطيل التأليف، هو ادّعاءٌ فارغ في غير مكانه، ومحاولة افتعال مكانة مهمة لهذا التعطيل في سياسات الخارج وحساباته. ببساطة شديدة ماذا لو قرر رئيس الجمهورية اليوم تمرير مطالب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي الوزارية وغيرهم واكتفى مع أبنائه في التيار الوطني الحر بعشرة وزراء او تسعة؟ ستتشكل الحكومة وأجزم ان الخارج لن يهتم. ماذا لو حصل العكس أيضا وتنازل الاشتراكي والقوات وغيرهم ونال كل منهم حصة وزارية أقل مما يعتبرونه حصتهم؟ ستتشكل الحكومة ولن يضير الخارج ولن يهتم. وكذا بقية القوى تلك التي لا ترى ضيراً في إبقاء التأليف معطلاً في سبيل منع خسارة مقعد أو طمعا بمقعد وزاري. تحميل الخارج المسؤولية كذبة فاقعة يحب البعض أن يصدقها، والبعض الآخر يريد استثمارها في سبيل مكسب هزيل إذا ما قيس بالخسائر التي تطال الوطن والدولة من هذا التعطيل.

إقرأ أيضاً: سقوط قطعة من لبنان

ربما يدرك اللبنانيون أن الأزمة الحكومية القائمة، هي نتاج الترهل الذي استوطن في مفاصل الدولة، لكن قبل ذلك هل نحن متفقون على تعريف الدولة؟ هل نحن متفقون على تعريف انها هي من يمتلك وحدها حق الاكراه المشروع؟ لنقل بجرأة أن العقد الاجتماعي اصبح منهاراً، بل التكوين الاجتماعي يزداد تشرذماً، ما من قضية لبنانية جامعة تجمع المكونات اللبنانية، فاذا كان العقد الاجتماعي هو انعكاس أو مرآة لشكل المجتمع وتكوينه، فان ما نراه اليوم هو تحول الطوائف من تكوينات اجتماعية، الى مكونات اجتماعية ذات هوية سياسية، اذ لم يعد مقبولا في اليات عمل النظام السياسي الحاكم، أن تكون مراعاة التمثيل الطائفي في الحكومة، أو في الوظائف العامة، من خارج الهوية السياسية التي الصقت تعسفاً بالتمثيل الطائفي، أو المذهبي.
كل ذلك يزيد من هشاشة الدولة، بما هي ارض وشعب ونظام دستوري وقيمّي، فما من قضية جامعة للمكونات، ومع غياب التعريف الواضح والمتفق عليه للدولة، بات من الصعب على الحكومات والنظام السياسي، حتى إدارة الازمات التي تأتي من الخارج أو تنبع من الداخل، ليس لبنان متفرداً في محيطه لجهة التحديات التي تواجهه على هذه الصعد، ثمة دول أخرى مشابهة تدير أزماتها من دون أن ينعكس ذلك على انتظامها الاجتماعي، في مصر والأردن على سبيل المثال لا الحصر، في هاتين الدولتين تستطيع حكومتي الدولتين ان تدير ازمتيهما، لأن ثمة حدّ أدنى من الانتظام الاجتماعي الذي يقوم فوقه نظام سياسي، الأردن ليس أكثر عراقة في بناء هويته الوطنية أو كيانه، فالمواطن الأردني كما المصري، لديه هوية واضحة هي الهوية الأردنية، الانتماء المسيحي او المسلم في هذين البلدين لا يقلل من شأن الهوية الوطنية.

إقرأ أيضاً: لماذا لن تخوض إسرائيل حرباً في لبنان؟

ترسيخ الهوية السياسية للانتماء الطائفي، هو من نوع دمج ما لا يدمج، وهذا ما يزيد من الترهل والضعف في بنية الدولة، ويزيد من مظاهر الفساد والافساد واللامبالاة تجاه الجرائم بحق الدولة ومؤسساتها، وهو ما يجعل الترهل والفساد كمجرى نهر لا يُعيقهُ شيء، بل تعلو مكانة الزبائنية كنمط سلوك في الحياة السياسية أو العامة، الكوارث الوطنية والمجتمعية تأتي من هشاشة الدولة، ومن تداعيات التضامن العصبي لا التضامن الاجتماعي الطوعي، لبنان مثل جسم منهك ومريض، وايُّ جرثومة من خارجه كافية لتعطيله، فلا تلومَنّ الجرثومة، بل ابحث في أسباب المرض وضعف المناعة، المناعة التي لا تتأتى إلاّ من ارادة الجسد بالبقاء، وفعل احتجاجه بالدفاع عن حقه في الحياة والوجود.

السابق
مسؤول سعودي يُكذّب التقارير عن اختفاء خاشقجي بقنصلية السعودية في تركيا
التالي
المشنوق: إصلاح «الأمن الداخلي» مستمرّ وملفّ المطار على طاولة رئيس الجمهورية