نهر الغدير يثور.. ويلفظ النفايات.. والمعنيّون غائبون

لم يستحِ ابناء منطقة حيّ السلم من رميّ نفايات منازلهم من على الشرفات، لعلهم نسوا ان الطوفان الذي يصيب المنطقة سنويا في الشتاء، والحشرات والروائح الكريهة صيفا سيطالهم وحدهم أولا وأخيرا. فكل وزارة ترمي بالمسؤولية على غيرها من الوزارات.

هَلّ أيلول، بأمطاره أكثر مما هو متوّقع منه، فاجتاحت السيول الطرقات، متسببة بفيضانات كبيرة عطّلت حركة المواطنين، وأغرقت السيارات وألحقت الضرر بالممتلكات الخاصة.

إقرأ ايضا: «نهر الغدير» طفح كيله

نهر”الغدير” الذي يتنافى واقعه مع اسمه ووصفه، فاض يوم أمس بـ”زبالته” هذه المرة، ومياه المعامل ومجاري البيوت، بعد ان كان يفيض بمياهه، لكن هذه المرة كان الفيضان بالنفايات، لذا إختبأ مدّعو محاربة الفساد من نواب ووزراء.

وكانوا سابقا، عند كل فيضان، يتوعدون، يزبدون ويرعدون، ويهددون مخالفي البناء، ويتعهدون بحلّ المشكلة. لكن منذ أكثر من 3 عقود لازال النهر يطوف، ولازال السكان يرمونه بالنفايات المنزلية من اعلى الشرفات، اضافة الى مجاري نفايات المعامل الصناعية، وما أكثرها في الشويفات. ورغم طوفان الانهار في كل من زغرتا والضنيّة وطرابلس، الا ان الخبر والحدث  يبقى في حيّ السلم – الشويفات عند نهر الغدير.

ففي اتصال مع رئيس اتحاد بلديات الضاحية، محمد درغام، نفى أية علاقة للإتحاد بأزمة نهر الغدير ومشاكله، مُعلنا تبعية المنطقة لبلدية الشويفات التي يرأس بلديتها زياد حيدر منذ العام 2016.

رئيس بلدية الشويفات زياد حيدر
رئيس بلدية الشويفات زياد حيدر

فاتصلنا ببلدية الشويفات الا ان رئيس بلديتها زياد حيدر لم يكن متوفرا، فاعتبر مسؤول الاشغال في البلدية سعد الجردي ان “لا علاقة للبلدية بموضوع نهر الغدير، وهو تابع لوزارة الاشغال”. ولفت الجردي الى انهم “مهتمون أكثر من أي وقت مضى بالنهر”.

وأجرت “جنوبية” عددا من الاتصالات بوزير الأشغال يوسف فنيانوس، الا انه خطه مقفل دوما، وأرقام موظفيه لا تتجاوب. فلكثرة الاستفسارات التي ترد الى الوزارة، فضّل الموظفون عدم رفع سماعة الهاتف.

وفي اتصال مع مدير عام النقل البري والبحري في الوزارة، عبد الحفيظ القيسي، على رقمه الشخصي، أكد لـ”جنوبية” أن “لا علاقة للوزارة بنهر الغدير، والنهر يتبع وزارة الطاقة”.

وكل محاولاتنا باءت بالفشل حيث اننا لم نهدأ للتواصل مع وزارة الاشغال، والمدير العام طانيوس بولس، لكن لم نلق أي تجاوب او رد.

كذلك هو حال مدير عام وزارة الطاقة فادي قمير، وهكذا هو حال الوزارات التي تعيش جو تصريف الأعمال منذ أكثر من 5 شهور.

مع العلم ان وزارة الطاقة والمياه، مسؤولة، بحسب موقعها الالكتروني، عن “العمل على حماية الموارد المائية من الهدر والتلوث بوضع النصوص، واتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة لمنع تلوثها، ولإعادتها الى نوعيتها الطبيعية”.

وخلاصة الأمر، توصلنا بعد هذه الجولة الى ان الوضع سيبقى على ما هو عليه ما لم يقم اهالي المنطقة بالتوقف عن رميّ النفايات في مجرى النهر، لذا عليهم بالتعاون مع الجمعيات الاهلية والبيئية العمل على تنظيف مجرى النهر.

مع الاشارة الى ان نهر “الغدير” يسير من بلدة الشويفات لأكثر من 5 كيلومترات جنوباً ببطء شديد. فالمعامل والمنازل والمحال التجارية ترميّ مخلفاتها فيه، من أعلى الشويفات وصولاً الى حيّ البركات جنوبا، مروراً بعدد من الأحياء كحيّ كنعان، وحيّ الصحراء، وغيرها.. فهو يطوف كل عام شتاء بسبب إرتفاع منسوب المياه فيه وفيضانه حيث يُعيد الأوساخ التي رموها الى منازلهم، ربما إنتقاما منهم. وصيفا، تنتشر الحشرات والروائح الكريهة.

وفي اتصال مع فاديا جمعة، ناشطة ومسؤولة تنفيذية لجمعية “غرين إيريا” الدولية، قالت لـ”جنوبية”، ان: “ما شهدناه يوم أمس بخصوص نهر الغدير يرجعنا الى العام 2013، فيومها طاف النهر وكان عبارة عن مجرور كبير، فدخل بيوت الناس ومن حينها والى اليوم، أعلن حيّ السلم منطقة منكوبة. ونحن نسأل ما هي الاجراءات التي إتخذت بعيدا عن بازارات السياسة واللعب على وجع الناس؟ فلم نر غير المزايدات، وللأسف بالنسبة للبنانيين النهر والبحر باتوا مكبات للنفايات ومجاري الصرف الصحي ولمئات المصانع التي ترمي فيهم مخلفاتها”.

وتتابع جمعة، بالقول “حتى المرامل ترمي وتغسل مياه غسيل الرمل في النهر، لدرجة اننا لم نعد نرى نهرا، بل بؤرة تلوث تنشر الاوبئة والامراض، وصولا الى الروائح وكافة انواع الجراثيم”.

وتسأل جمعة “على من تقع المسؤولية؟ لا احد يريد الاعتراف بالمسؤولية، البلديات تقول ان المشكلة تفوق طاقتها، وشركات التنظيفات التي عملها اصلا جمع النفايات، أين هي. وأين حسّ المسؤولية عند الناس حيث يرمون النفايات في هذا الممر المائي، اما وزارة الطاقة فأين تقف؟ كما لم تحافظ وزارة الصحة على حياة السكان الغارقين بالفقر والعوز. وكلنا يعرف وضعية سكان حي السلم الاقتصادية من هذا المشهد. وأين دور وزارة البيئة، ووزارة الطاقة التي عليها تحمّل المسؤولية الكبيرة، لماذا وصل النهر الى هذا الوضع؟ وأين مسؤولية وزارة الصناعة حيث ان المعامل غير ملتزمة بدفتر الشروط، فترمي النفايات في النهر”.

وتؤكد فاديا جمعة انه “اضافة الى ان محطة صرف صحي منجزة منذ 23 عاما، أين هي؟. فاذا كانت تعمل فأين هي، ولماذا نرى هذا المشهد، واذا كانت لا تعمل فلماذا؟”.

إقرأ ايضا: غرق 300 منزل في حي السلم نتيجة فيضان نهر الغدير

وتختم فاديا جمعة، الناشطة البيئية، بالقول “هذا كله يفسّر حجم الفوضى الكبيرة في البناء العشوائي غيرالشرعي، وفوضى تصريف النفايات، وفوضى الصرف الصحي، وفوضى المعامل، فهذا كله يدل على التقصير في كافة الوزارات المعنيّة، اضافة الى قلة الاحساس بالمسؤولية عند المواطنين”.

فهل ستتكرر مأساة نهر الغدير مع دخولنا فصل الشتاء المقبل؟ ام ستعمد الوزارات المعنيّة الى حلّ المشكلة القديمة الجديدة قبل دخول فصل المطر هذا العام؟ ام سيتوقف اهالي حيّ السلم عن رمي النفايات في النهر؟

السابق
«تجمع العلماء المسلمين»: من هجرة الرسول(ص) تعلمّنا
التالي
حاصباني: قدمنا عرضا مفصلا لدراسات علمية دعما لصيغة القانون