كان الشاعر علي هاشم، يوم امس الاحد الواقع في (15 تموز ) على موعد مع الرحيل، وكانت “شؤون جنوبية” قد أجرت حوارا مع الشاعر، منذ اربع سنوات واليوم نستعيده تكريما له.
هو أحد أبرز وجوه المشهد الثقافي في الجنوب اللبناني، بل يكاد يرى المشهد بعين الناقد لا سيما أن في جعبته 9 دواوين شعرية. أما الهم الجنوبي والإنساني فيقعان في صدارة موضوعات قصائده. وغالباً ما كان ينظم قصائده تحت وقع القصف الإسرائيلي الهمجي.
هو ابن بلدة ميفدون الجنوبية الحائز على إجازة في اللغة العربية من جامعة بيروت العربية، وماجستير من الجامعة اللبنانية. مُدرس لغة عربية، وعضو هيئة إدارية في المجلس الثقافي الجنوبي. نال جائزة سعيد عقل عن كتابه “الناي المجنون”، وجائزة سعيد فياض عن كتابه “مآذن زرقاء اليمامة”.
شاعر وباحث حاورته “شؤون جنوبية” حول الحالة الثقافية في الجنوب مع التطرّق إلى مصادر الإيحاء التي يستقي منها شعره.
كيف يرى الشاعر علي محمد هاشم حال الثقافة في الجنوب اللبناني اليوم؟
الجنوب كغيره من المناطق اللبنانية، ولكن له خصوصية معينة، ناتجة عن صراعه مع العدو الاسرائيلي. فالثقافة فيه قد تكون أشد وقعاً وعمقاً وابعاداً مما هي عليه في سائر المناطق. لكن بصورة عامة لا شك أنّ الجنوب يشهد حركة ثقافية لافتة في الشعر اولاً. فهناك العديد من الحركات والجمعيات والأندية التي نكاد نجدها في كلّ قرية ومدينة وأحيانا بين حي وآخر، وهذا أمر جميل.
أما بالنسبة لمضمون ما يصدر عن هذه المؤسسات الثقافية فإنني غير مقتنع بالكثير ما تنتجه، لأنّها في معظمها غارقة في المساومات والعلاقات الشخصية وسطحية التعامل، والمجاملات القاتلة أحياناً. هذا لا يعني أنّها لا تنتج أدباً مرموقاً على قلة ذلك، ولعل مرد هذا التردد هو حالة التقهقر في منظومة القيم الإنسانية على المستويين الداخلي والخارجي وخصوصا عن مستوى الوطن العربي، ولا ننسى دور التطور التكنولوجي المادي المُسخَّر في معظمه لخدمة جهات معينة ومفاهيم حياتية معينة، في تدهور الحالة الانسانية بشكل عام. أضف إلى ذلك دور هذه التكنولوجيا في توفير مناخات حاضنة وسهلة عبر مواقع التواصل الإجتماعي والتي تُسْتغل استغلالاً مشوَّها من قِبل الكثيرين.
ومن الطبيعي أن يتحمل المثقفون، حالياً وماضياً ومستقبلاً، جزءاً من هذا التراجع، إذ لكل عصر ظروفه وبيئته، لكن مسؤولية المثقف اليوم هي اهم وأقوى وأخطر أيضاً، وواقعنا اليوم لا نُحمد عليه، وثقافتنا تكاد تقلب كل المفاهيم الثقافية التي كانت سائدة، والتي تربينا عليها، وأعود وأركز على دور التطور التكنولوجي المتفجر والذي أغرق الانسان المعاصر بمفاهيم ومعلومات ووسائل أحدثت عنده زلزالاً واضحاً، وقرَّب المسافات بين الأمم والشعوب، والمثقف هو الوعاء الذي تصب فيه هذه المستجدات، من هنا تكون مسؤولية هذا المثقف وخصوصاً في البيئات المختلفة.
أعددت دراسة من الاندية الادبية في العصور العباسية “العراق” ماذا يتبين لك كباحث، عن تلك المرحلة الغنية بالادب عامة، وبالشعر بوجه خاص؟
العمل المشار إليه، هو دراسة اُعِدت لنيل شهادة “الماجستير” وقد صدرت كتاباً مطبوعاً سنة 1978. يومها كنت ما أزال طالباً وكانت كلمة “باحث” فضفاضة عليّ. ومن الممكن القول: إنّها كانت دراسة غنية وممتعة تحدثت عن الأندية الأدبية في العراق في “العصور العباسية الأربعة في بغداد” فتناولت هذه الأندية الى كانت تنعقد في العصور والمساجد والأديرة، والبساتين. وما تركته من بصمات على الشعر في تلك الفترة، والتطور الذي عرفه الشعر، وأعتقد أن معظم مضمون هذه الدراسة لا يزال حياً ومفيداً وخصوصاً لمن يريد أن يُنشيء دراسة للفترة المذكورة.
عناق، الرقص على رماد الهيكل ،الناي المجنون، أحوال، مآذن زرقاء اليمامة، كؤوس الحيرة، كأني على الماء أجري، أفلاك، تفاصيل لكنها أصول، عناوين دواوينك…وماذا بعد؟
جميل أن يترك الانسان شيئا خلفه في هذه الحياة. لكن الاجمل ان تكون لهذا الشيء قيمة وأن تكون فيه منفعة ومتعة للآخرين وهذا ما أتمناه من هذه الأعمال. أما ماذا بعد؟ هناك مجموعة جاهزة للطبع، وهي مهداء الى حفيدي “علي محمد هاشم” وقريبا ترى النور، كما أنني كتبت “ملحمة شعرية” إذا صح التعبير، من ألفين ومائتي وعشرين بيتاً بعنوان “من حِراء حتى كربلاء” وسأعمل على اصدارها قريباً.. وأنا الآن بصدد الإنتهاء من ديوان جدي المرحوم السيد هاشم عباس الموسوي المتوفي سنة 1917م.
أشرت في سياق الحديث إلى انك ستُصدر ديوان جدك الشعري، هل يمكنك أن تخبرنا ما لفت نظرك فيه؟
هذا الديوان جعلني أقف وجهاً لوجه أمام القرن الماضي وما يسبقه، وقد دُهشتُ لهذه الغزارة والتفجير في مجال الشعر في تلك الفترة. خصوصا أنّ لبنان كان يرزح تحت الإستعمار التركي، هذا الديوان متميز في اللغة، والثقافة والأداء، وذلك بسبب ما كان يُفرض على رجل الدين من أمور عليه أن يحفظها. جدي كان رجل دين وهذا موضوع واسع جعلني اُقارن الماضي بالحاضر وأشعر بالأسى على ما آلت أليه الحال في أيامنا. وكم اتمنى لو يعود المهتمون اليوم إلى الإطلاع على أدب وإنتاج القرون الثلاثة الماضية ليروا بأم العين كم نحن مقصرون وعاجزون. رغم ما كان يعانيه اجدادنا من عسف وظلم وجفاف في مصادر المعرفة والتعقيدات في وسائل العيش مقارنة بما نتمتع به نحن اليوم من تسهيلات كبيرة كان من الواجب ان نستغلها، وإبداعيا بالطبع حتى يكون وضعنا مختلفاً.
ما هي مصادر الابداع عند علي هاشم؟
بشكل عام مصادر الإبداع عند كل شاعر أو أديب تكاد تكون متشابهة. مثل: الظروف، والبيئة، والثقافة، والميول الخاصة، وقضايا المجتمع والوطن والإنسان. وعلى رأس هذا كله المرأة، فإلى أي مدى يُمكن للشاعر أن ينجح في التفاعل مع ما ذكرته يكون قد حقق قسطاً من الابداع، إضافة الى ما ذكرت علينا ألا ننسى التركيبة النفسية والمزاجية لكل شاعر ما يجعله متميزاً عن غيره في هذا الأمر أو ذاك.
بماذا يهتم أولادك اليوم؟ وهل هم ينحون صوب الشعر والأدب؟
في سياق الحديث أشرتُ إلى حالة التشوَّه، التي خلقها التطور المتسارع في مجتمعاتنا، وما ترتبت على ذلك من إعادة ترتيب وتموضع بهذه المجتمعات، والضغط النفسي والفكري التي تمارسه هذه التحولات على الأجيال والتي تصل احيانا إلى مستوى الإرهاب المادي والإنساني، من هنا اقول إن أولادي ابناء الحياة كما قال جبران، ويؤسفني ان يكونوا كالكثيرين غيرهم بتوجهاتهم المغايرة، لأنهم لا ينعمون بالراحة النفسية وبالوقت الكافي، كما أنّ ثقافة الولد اليوم تسير على قدم واحدة. هناك إذاً فقدان توازن، وأظن أن ذلك لن يدوم لأن الانسانية مرغمة على أن تُعيد النظر بوضعها مرحلة بعد أخرى. لكنني وحتى لا اكون ظالما فإنني أشير إلى أن ابنتي البكر “إيفا” هي رسامة وناشطة في هذا المجال. وقد دخلت باب الإبداع من منطلق شخصي أكثر مما دخلته من منطلق أكاديمي يعني “طلعنا شي بالآخر”.