في لبنان: ثنائية شيعية موحّدة مقابل ثنائية مارونية متخاصمة

يُحلل كل من الباحث الاكاديمي طلال عتريسي، والكاتب والناشر أنطوان سعد، مسألتي الثنائية الشيعية المتوافقة (أمل-حزب الله)، والثنائية المسيحية المتصادمة (القوات اللبنانية-التيار الوطني الحرّ)، وسبب التضاد بينهما.

بزّت الثنائية الشيعية قريناتها من مكونات المجتمع اللبناني الطائفي، وتفوقت عليها، مشكلّة كمذهبية صاعدة- وهي ان كان عنوانها السيد موسى الصدر في لبنان مع بداية انطلاقة الحرب الأهلية، فانها وان شابها حرب الأخوة نهاية الثمانينات من القرن الماضي، فلقد تطوّرت تدريجيا حتى وصلت الى ما وصلت إليه من تفاهم تام، وعماد هذا التفاهم هو التسليم لهيمنة حزب الله عسكريا، مقابل هيمنة حركة أمل إداريا على مفاصل الدولة.

في اطار البحث عن سبب تخلّف الثنائية المسيحية المارونية عن السير مسار الثنائية الاسلامية الشيعية، اعتبر الباحث في علم الاجتماع السياسي، الدكتور طلال عتريسي بالقول “اعتقد انها سابقة، فهذا النوع من التحالف الوثيق والمتين، لم يكن سابقا، ولم نشهد على هكذا حزبين متحالفين قويين. لأن التفاهم أقوى من التنافس، فعند الثنائية الشيعية غاب التنافس وحصل العكس. فهم لا يتقاتلون لا على المناصب ولا على رئاسة الجمهورية، ولا على نيابة المجلس، في حين انه بالمقابل هناك قتال على الشعبيّة والمناصب. اما عند الشيعة فلا تقاتل لأن الخيارات واضحة. وهذا التوافق هو نتاج المرحلة الصعبة والعسيرة التي مرّت عل الطرفين، لذا تم التوافق، وان كان المسيحيون مرّوا بمرحلة صعبة ايضا في السابق. والسبب في استمرار الخلاف ان القوات اللبنانية تتمدد على حساب التيار الوطني الحرّ. اضافة الى الصراع على رئاسة الجمهورية، وتوسعة النفوذ، مما يؤدي الى عدم التوافق. ولكن ربما يعود الامر الى أسباب إقليمية. اذ لم يعد من رعاية اقليمية للمسيحيين في لبنان بسبب اختلاف التوجهات”.

إقرأ ايضا: الثنائية الشيعية.. ماذا فعلت لأبناء البقاع منذ ربع قرن؟

و”لأن “القوات اللبنانية” حاليّا تسير في الركب السعودي، والخلاف مع التيار الحر هو خلاف إقليمي، من هنا ان القوتين مختلفتين حول الموضوع السوري والنازحين أيضا. في حين انه عند الشيعة الرابط بينهما هو الموضوع الاقليمي”.

وردا على سؤال، قال عتريسي “فيما مضى كان المسيحيون متفقون، واختلفوا بسبب الانتخابات، حيث سرق التيار الوطني الحرّ تيار المستقبل من القوات، وهذا ضمن الخلافات الداخلية، اضافة الى خوف القوات من دعم المستقبل للتيار الحرّ. لكن عند الشيعة لا خوف، خاصة ان حزب الله دعم الرئيس نبيه بري بوجه جبران باسيل مؤخرا، ولم يفضّل العلاقة مع التيار الحر على العلاقة مع حركة أمل”. وختم عتريسي بالقول “ثمة وعيّ قيادات، ونأمل ان يستمر هذا الوعيّ”.

في حين، يرى الكاتب والناشر ومقدم البرامج السياسية، انطوان سعد، ان “الأمر الأكيد ان ثمة شعورا شيعيا قويا ان التحديات كبيرة تجعلهم يحاولون إزالة الفروقات التي من شأنها ان تعزّز حضورهم السياسي الحالي. هذا عامل، اما العامل الثاني هو التعددية المتأصلة في الحالة المسيحية حتى في الزمن الماضي خلال الحرب. وكانت ثنائية حمادة/الأسعد، وكانت القيادات الأخرى موجودة، ولكن متحالفة مع هذين القطبين. ربما الأمر مرتبط بشكل خاص بالبعد الريفي المؤثر على النشأة. بمعنى ان المجتمعات الشيعية بغالبيتها ريفية، وخارجة من مجتمع زراعي، يحتاج الى بعض الوقت لتصبح مدنيّة أكثر حيث تسود في المدينة الاتجاهات الفردية لا العائلية. وهناك أمرا آخرا، وهو العامل الثالث، هو ان المجتمع المسيحي عموما مجتمع متسامح مع الرأي الفردي، اما المجتمعات الاسلامية، والشيعية خصوصا، فتعيش قلقا وخوفا من التعددية الفكرية. وهناك ثقافة ان التعددية تؤدي الى الضعف والخسارة، لذلك رأينا ردود فعل قاسية تجاه من خالف الجماعة وأعرب عن رأيه”.

ويتابع انطوان سعد، بالقول ردا على سؤال “نعم الإجتماع، رغم الاختلافات، يؤدي الى وزن أثقل في المعادلة اللبنانية، ويؤّمن مكتسبات سياسية واجتماعية ومالية، ولكن ستكون على حساب كرامة الفرد وحقه وتفتحه الى اقصى الحدود، وعلى حساب الطموحات والحقوق والفرص”.

ولكن ألا يؤدي هذا الى تفكك في المجتمع المسيحي، يرى سعد “لذلك لا يمكن ان تربح من خلال ما تربحه من وحدة المعادلة، ولا ان تربح حرية ابناء المجموعات من اكتفاء وتفتّح، ولا يمكن ربح كل شيء، فلا احد قادر على ربح كل شيء”.

إقرأ ايضا: الى الثنائية الشيعيّة: من له الغُنُم عليه الغُرُم

ويختم، الكاتب والناشر أنطوان سعد، قائلا “اما ان تربح الجماعة ويخسر الفرد، واما ان تربح الفرد وتخسر الجماعة، وعندما يعيش الفرد تحرره وحقوقه فانه لا ينقاد بسهولة الى الحرب. اما الفرد المتخفي والفرد الممسوح الذي ذُوبت أهوائه وشخصيته وحقوقه الفردية فمن السهل انقياده الى مشاريع أخرى”.

السابق
مجتهد: الأمير محمد بن سلمان منذ اختفائه يتجوّل باليخت في البحر الأحمر
التالي
تعرّفوا على «مكتبة هاسكل» التي يقع نصفها في كندا والنصف الآخر في أمريكا!