اعتراض من موقع السلطة، أم معارضة ديمقراطية؟

الانتخابات النيابية
النقاش حول الانتخابات اللبنانية والمنحى الديمقراطي.

في سياق النقاش الدائر حول التحالفات في الانتخابات النيابية ، تتصدر هذا النقاش بشكل اساسي وجهتا نظر، تتمثل الاولى في الدعوة الى تجميع كيفما كان للقوى المتضررة من نهج ارباب لوائح السلطة، بمافيها القوى التي تنطلق قولا وعملا من موقع التحالف الحاكم.

تدعو الثانية، ونحن كنا ومازلنا من ،دعاتها الى توظيف محطة الانتخابات النيابية في سياق بناء معارضة ديمقراطية حقيقية، ونسارع الى القول ان الوضع السياسي اللبناني يحتشد بكل انواع المعارضات المتباينة، على غير وضوح في التمايزات الفعلية بين اطرافها، منها من يعترض على قاعدة قم لا قعد مكانك ، ومنها من يراوح بين السلطة والمعارضة، ثم منها من ينطلق من موقع مستقل عن اطراف السلطة وإذا ما اردنا التدقيق في الخطاب الذي يدلي به رموز المعارضة الرسميةوالطائفي​ة فهو يعكس تعمية واضحة عن واقع البلاد الفعلى وسبل الخروج من مازقها الوطني، سواء لناحية اطلاق الية ديمقراطية للعمل السياسي، او لاستقامة حكم المؤسسات وبناء الدولة، او للخيارات الاقتصادية المعتمدة والنتائج الاجتماعية المترتبة على هذه الخيارات، او لناحية التفريط بالسيادة الوطنية، يضاف الى ذلك كله، ان رموز هذه المعارضة ينطلقون من مصالح فئوية ومذهبية، ويبقون اسرى هذه المطالب ، لا بل انهم اكثر مذهبية ممن هم في راس السلطة، فضلا عن انهم ساهموا في التاسيس لنهج الفساد والافساد والمحاصصة وتقاسم المغانم والضرب بسيف السلطة، وهم في احسن الاحوال محتجون مؤقتا على الاستبعاد من دائرة النعمة ، وتواقون الى مقايضة المعارضة بالموالاة برواتب ووظائف، والحصول على بطاقة هوية ومقعد في النادي السلطوي.

إقرأ أيضاً: «التجمع اللبناني»: لنحول الانتخابات النيابية فرصة لاستعادة الدولة من براثن الدويلة
الواقع ان االجديد في سلوك بعض القوى التي تراوح بين السلطة والمعارضة وفي سياق الاعداد للعملية الانتخابية انها انتقلت هذه المرة من موقع سلوك انتظاري دأبت على اعتماده في الاستحقاقات الانتخابية السابقة، وهو سلوك يقوم على السعي الى التفتيش عن موقع ما في لوائح السلطة، واعتماد اسلوب يزن خطواتها على وقع الاتصالات الفوقية مع اطراف التحالف الحاكم، وانتظار اللحظة الاخيرة بعد استبعادها من لوائح السلطة الى اعلان موقفها الاضطراري.

هذه القوى انتقلت هذه المرة ولو متأخرة الى موقع الانخراط في بلورة لوائح مستقلة عن لوائح التحالف الحاكم وفي مواجهته، وهو ما يجب ان يكون موضع دعم ومشاركة في هذا الجهد وبلورته ومتابعته.

بعد هذه اللوحة هل ثمة امكانية لعقد تحالف بين المعارضة الرسمية والطائفية وبين المعارضة الديمقراطية ؟
ثمة خطأ سياسي فادح في الذهاب الى هذا الخيار، ويبدو ان الهاجس الاول و المباشر عند اصحاب هذا الراي هو زيادة الارقام التي يحصل هذا التحالف وتضخيم وزن التيار الديمقراطي على غير واقعه الفعلي.

ثمة مصادر عدة للمشكلة التي ينطوي عليها هذا الخيار، اولها الدعوة الى توسيع قاعدة التحالف الانتخابي ، وابراز كل المرونة تحت هاجس وحيد اوحد هو تدعيم وزيادة الارقام التي يحصل عليها هذا التحالف، طبعا نحن نشارك في هذا الهاجس بقوة، لكن المسألة المطروحة ابعد اثرا من هذا الهاجس، الذي يؤول في حال اعتماده كمقياس وحيد للعملية الانتخابية، الى مجرد وضع ورقة في صندوقة الاقتراع بغرض الوصول الى المجلس النيابي، وتحويل العملية الانتخابية الى رفقة طريق ليوم واحد، يحري بعدها رحوع كل من اطرافها الى مربعه الاول، وهذا السلوك هو اقرب الى الشطارة اللبنانية منه الى العمل السياسي.

وثاني هذه المشاكل هو تحويل العملية الانتخابية من محطة استثنائية للفرز بين القوى والمشاريع وفسحة للتعبئة، وكشف طبيعة الطبقة السياسية الحاكمة ونهجها وسياساتها، والدعوة الى محاستها وعدم انتخابها مجددا ، الى مناسبة للهاث لنيل مقعد نيابي كيفما كان، بصرف النظر عن كل مقياس او برنامج سياسي.

على هذا النحو تتحول المعارضة الى شيء هلامي، شيء ما يحجب تعيين هويتها وتمايزها عن قوى التحالف السلطوي القائم، والاكتفاء بهاجس نيل اكبر عدد من الاصوات واعتباره معيارا للفرز السياسي وللتحالفات، في انتخابات نيابية من المفترض ان تكون العناوين السياسة والاقتصادية والاجتماعية عناوين واضحة ومقياسا اول للفرز السياسي.
كل ذلك تحت دعوى تحالفات تفقد القوى الديمقراطية الوضوح اللازم لحقيقة تمايزاتها وبرنامجها السياسي.

وثالث هذه المشاكل هو افساح المجال لكل دائرة أن تختار شعاراتها، تبعا لواقع انتمائها الطائفي والمذهبي، وتبعا للمزاج الشعبي السائد في كل دائرة انتخابية وواقع القوى المعترضة فيها. هذه النقطة تبدو وكأن لكل دائرة انتخابية خصوصيتها وتمايزاتها، وكأن الانتخابات تجري في كيانات منفصلة لا بد ان تجتمع تحت قبة البرلمان هذا فضلا عن غياب اي معيار سياسي توحيدي يقارب الازمة اللبنانية في تجلياتها وعواملها الداخلية والخارجية بما يؤدي الى توزيع عشوائي و مقاييس متناقضة للتحالفات ولوحدة الشعارات السياسية التي تخاض الانتخابات على اساسها.

ان ما ينبغي التشديد عليه هنا هو اهمية المبادرة الجادة الى تشكيل لوائح مستقلة في مواجهة لوائح السلطة تكون محور انطلاقة حيوية لبلورة تحالف ديمقراطي واسع وهو ماباشرته قوى يسارية، وما يجب دعمه و متابعته ورصد اتجاهاته، وهو تحالف لا يمكن ان ينجح فعلا ان وقع في مطبات الخلط بين المعارضات الطوائفية والمعارضة الديمقراطية وفي الانشداد الى مقياس زيادة ارقام وعدد مايحصل عليه التيار الديمقراطي كيفما كان، و ما لم يكن جزءا من مسار تراكمي لبناء معارضة حقيقية، ولا يمكن ان يتحول الى حالة تستنفر كل الطاقات الديمقراطية من اكثرها ليبرالية الى سائر التلاوين اليسارية ، ما لم يكن نتاج عملية واسعة من التفاعل والتواصل والمشاركة الجماعية التي ينبغي ان تتسع لكل القوى ،والهيئات ، والاطر والفاعليات الديمقراطية، تشكيلا للوائح وصوغا للبرنامج وتحديدا لخطة العمل والتحرك.

وغني عن القول ان هذه الدعوة لا تندرج في خانة تصور امكان احداث اختراقات واسعة، بل تندرج في خانة بدء استعادة القوى الديمقراطية لوزن في المعادلة السياسية واستعادة التيار الديمقراطي للموقع الذي لا موقع له غيره في سياق سعيه المديد لمراكمة قوته وطموحه لانتاج موازين قوى جديدة.

إقرأ أيضاً: الانتخابات وفرصة تحوّل اللبنانيين من سكان إلى مواطنين

لذلك كله ياتي الانطلاق من برنامج وطني ديمقراطي، والنجاح في تحديد برنامج حد ادنى، واضح المعالم يشكل المنطلق لصوغ تحالفات تستند الى هذه القاعدة، وفي هذا المجال لا بد من القول ان هذا البرنامج يمكن ان يتمحور حول بناء الدولة وفق اسس عصرية وديمقراطية، وتشغيل المؤسسات وفق الية الدستور واعادة الحياة الى العملية الديقراطية، واستكمال المؤسسات والهيئات التي نص عليها الدستور وتفعيل دور هيئات الرقابة والتفتيش والمحاسبة، واستقلال القضاء واعتماد سياسة اقتصادية -اجتماعية تقوم عل النهوض بالاقتصاد الوطني، وعدم تحميل الفقراء واصحاب الدخل المحدود اعباء اثار الحرب.
كل ذلك يشكل اساسا لتحالف ديمقراطي لا تلتبس فيه المسافات بين قوى التحالف السلطوي، ولا تضيع فيه المواقع، ولا يقوم على تجميع تعسفي للمتضررين الذين لا يجمعهم جامع سوى ان اكثرهم لم يحالفه الحظ في الدخول الى جنة اللوائح السلطوية، ولا يتحول الى سلة تجمع التناقضات بهدف وا حد هو الوصول الى المجلس النيابي.

السابق
نسيب لحّود… الغياب والحضور
التالي
سامي الجميل: اللعبة تختصر بـ«السلاح لي والمحاصصة لك»