بين المنع والممانعة: هل فتح المشنوق معركة الحريات؟

قرار وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق عرض فيلم "ّذا بوست".. خطوة إيجابية في معركة الحريات.

تحت رهبة الممنوع، توسع مفهوم “التطبيع”، وضاقت “الحريات”، فجهاز الرقابة في الأمن العام اللبناني بات يضيق الخناق مؤخراً، بمؤازة من مكتب المقاطعة، في تحديد ما علينا مشاهدته أو قراءته أو حتى سماعه، فيمنع ما يشاء ويبيح ما يشاء مستخدماً نطاق السلطة المعطاة له في مصادر الحريات الفردية للأشخاص.
في السنوات الأخيرة، منعت بعض الأفلام من العرض في السينما اللبنانية، فيما تمّ إقصاء 3 أفلام عن مهرجان بيروت الدولي للسينما في العام 2016.
كذلك تمّ منع أغنية لنجل الفنان والموسيقي اللبناني مارسيل خليفة لكونها تتضمن – بحسب ما أعلن الأمن العام آنذاك- كلاماً مسيئاً إلى العزة الإلهيّة من خلال دعوة المغني إلى الله بقوله “ارحمنا ارحمنا وحلّ عنا”.

في الشهر الأخير من العام الماضي ومطلع هذا العام، تمّ إضافة 3 أفلام على لوائح المنع، وهي “ووندر وومان”، “جنغل”، “ذا بوست”.
الأفلام الثلاثة تمّ منعها لارتباطها بالعدو الإسرائيلي، وذلك بحسب ما أعلنت الجهات المعنية، فالمرأة الخارقة بطلته مجندة سابقة في الجيش الإسرائيلي، فيما “جنغل” يروي قصة رحالة اسرائيلي، أما فيلم “ذا بوست” فمنع لكون المخرج “اسرائيلي”.

فيما انقسم اللبنانيون تلقائياً أمام هذه القرارات، فهناك من رفع شعار “لا للتطبيع”، متهماً بالعمالة كلّ من ينتقد المنع، وهناك من دافع بشدة عن الحرية في الاختيار، وعن حقّ كل مواطن بأن يقرر بنفسه ما يشاهد وما يقاطع.
مع الإشارة إلى أنّ هذه القرارت ليست إلاّ “حبراً على ورق”، فهذه الأفلام هي بمتناول كل لبناني بمبلغ لا يتجاوز الـ”2000” ليرة لبنانية، كما أنّها تطرح بعد مدة وشيكة على قنوات اليوتيوب ليكون المتضرر الوحيد من هذه الإجراءات هي صالات السينما، والحرية!

في سياق هذه الحملات التي اشتدت مؤخراً، ولا سيما حول فيلم “ذا بوست” للمخرج العالمي ستيفن سبيلبرغ، وقع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق قرار السماح بعرض الفيلم في الصالات وذلك في موقف معارض للأمن العام اللبناني ولمكتب المقاطعة.

إقرأ أيضاً: تُهم التطبيع ترافق منع فيلم (wonder woman) في بيروت

فيما علم موقع “جنوبية”، أنّه لم يعد مسموحاً، أو سهلاً، أن تحدد أي سلطات صحافية أو أمنية الذوق العام في لبنان، أو أن تملي أي جهة على اللبنانيين ما عليهم مشاهدته أو عدم مشاهدته.

قرار الوزير المشنوق في عرض فيلم “ذا بوست” هو بادرة إيجابية، إضافة إلى كونه يشكل مواجهة مع أجواء المنع والممانعة التي يخضع لها لبنان منذ مدة، سيما وأنّ هذه الأجواء غالباً ما تترافق وتهم التخوين والعمالة التي ترمى يمنةً ويساراً من قبل من يمثلون أحزاب 8 آذار ، وذلك لتحقيق أهدافهم في تقويض الحريات الخاصة.

إقرأ أيضاً: جدل اعلامي ثقافي بعد منع عرض فيلمي «جنغل» و«ذا بوست»

عرض الفيلم، هو خطوة جريئة في معركة استعادة الحرية في الاختيار، ولربما كنّا لنشهد هذا القرار في وقت سابق لولا الأزمات التي كانت يعانيها لبنان من فراغ رئاسي، لأزمة نفط وتعيينات، وصولاً لاستقالة الرئيس سعد الحريري وما تبعها.

يبقى اليوم أنّنا لأوّل مرة نقول للأمن العام “خيارنا المشاهدة”، لاسيما وأنّ جميع أفلام المخرج “سبيلبرغ” قد عرضت خلال السنوات الماضية في الصالات اللبنانية، بينما ما يتردد عنه حول دفعه مليون دولار للعدو الاسرائيلي في حرب تموز ليس إلاَ كلاماً لم يوثق.

أخيراً، قد نتفق مع الوزير المشنوق وقد نختلف معه، ولكن لا بد وأن نشيد بأنّه قد أخذ قرار صعباً في السياق والمنطق وخالف توصية الأمن العام والوزارات المعنية باللجنة وحملة الممانعة، مناصراً بذلك الحرية في الاختيار.

السابق
ريفي: جبران باسيل الفاسد الأكبر
التالي
تحالف السلطة الشيعية جنوبا يقابله حراك اعتراضي بعناوين يسارية وتقليدية ومستقلة (1)