نصرالله غير مرغوب به في إيران حتى لو صافح بوتين في حميميم!

في خضم الحدث الجاري في إيران تدفقت التحليلات في المنطقة والعالم حول إبعاد التظاهرات الشعبية في الجمهورية الاسلامية وما ستتركه من نتائج.وأكثر ما يهم المراقب اللبناني هو التأثير الذي سيتركه هذا الحدث على لبنان الذي يصفه كثيرون بأنه “درة التاج” في مشروع “الهلال الشيعي” الذي أطلقه مؤسس الجمهورية الامام الخميني فنجح من خلال تنظيم “حزب الله” في تركيز هذا المشروع ما سمح لحكام إيران بالتباهي اليوم بإن أربع عواصم عربية صارت في نطاق النفوذ الايراني وفي مقدمها بيروت.
بدا واضحا خلال الايام الاولى من تظاهرات إيران ان إرباكا ساد صفوف مناصري إيران ولا سيما في وسائل الاعلام التابعة ل”حزب الله” لجهة التعامل مع هذا الحدث. ومع مرور الايام صار الاهتمام بما يجري في الجمهورية الاسلامية في هذه الوسائل ينطلق من محاكاة المواقف الصادرة عن المسؤولين الايرانيين آخذة في الاعتبار ان النافذة الوحيدة لانتقاد التظاهرات هي شبهة إرتباطها بالخارج وخصوصا “محور الولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل والسعودية” كما دأبت ولا تزال أوساط المحافظين الايرانيين على إثارة هذه الشبهة.لكن هذه النافذة بدت ضيقة مقارنة بالباب الواسع الذي فتحته التظاهرات نفسها حيث تصاعدت الشعارات المناهضة للرمز الاول في الجمهورية الاسلامية ألا وهو المرشد الامام علي خامنئي ويليه رئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني .كما تصاعدت أيضا الشعارات المناهضة لرموز المشروع الخارجي للجمهورية من لبنان الى غزة وسط تنديد مباشر بما أنفق ولا يزال على “حزب الله” على حساب المواطن الايراني الذي صار في معظمه في دائرة الفاقة.

اقرأ أيضاً: إيران.. لا نجرؤ على التفاؤل

بالطبع هناك علامات إستفهام حول مآل هذا الاحتجاج الشعبي الكبير في إيران. لكن ما هو مؤكد اليوم ان مشهدا جديدا رسمه هذا الاحتجاج داخل إيران وخارجها. وفي قلب هذا المشهد أن المصاعب التي يعيشها معظم الشعب الايراني هي على الطرف النقيض من الصورة النمطية التي دافع عنها محافظو إيران وهي أن سيطرتهم في المنطقة تنطلق من أرضية صلبة فتبيّن أنها في التظاهرات الاخيرة أنها رمال متحركة تهدد بإبتلاع كل هذه الصورة. وفي معطيات شخصيات شيعية ذات صلة بطهران ان أكثر ما أثار الالم في هذه التظاهرات هو خروج الايرانيين للمجاهرة بجوعهم في وقت تتدفق عطاءات حكام طهران على ساحات المنطقة ما سمح عبر عقود بنشوء طبقات مترفة من الذين ينتفعون من ريع الثورة الايرانية.وشبّهت هذه الشخصيات ما يجري في إيران اليوم بما جرى بالامس في الاتحاد السوفياتي الذي لفظ أنفاسه في العقد الاخير من القرن الماضي. ومثلما يئن الايرانيون الان من الجوع كان سكان الاتحاد السوفياتي يئنون كذلك من الجوع. وفي كلا الحالتيّن هناك موارد يستحقها الشعب تذهب الى غيره بإدعاءات لم تعد تجد من يناصرها الان في إيران كما كان الحال سابقا في بلاد السوفيات.
تأتي التطورات الايرانية وسط ظروف صعبة يخوضها الحكم الاصلاحي بقيادة روحاني من إجل إخراج الاقتصاد الايراني من هوة الافلاس الذي تسببت بها الادارة المحافظة لمقاليد البلاد منذ تأسيس الجمهورية.كما تأتي وسط ظروف معقّدة يخوضها المحافظون للاحتفاظ بما يعتبروه مكاسب في منطقة الهلال وبخاصة في سوريا حيث لا يزال الصراع على أشده لتظهير نتائج الحرب على “داعش”. ومن الدلائل ذات المغزى ان طهران تعتبر أن مرحلة جنيّ ثمار التدخل في سوريا قد حان موعدها لدرجة ان صحيفة “الوفاق” الايرانية نقلت معطيات من مصادر موالية للنظام السوري تفيد ان الامين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله كان مشاركا في القمة التي عقدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة حميميم في سوريا مع رئيس النظام السوري بشار الاسد ,وهي قمة ضمت أيضا قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني.
قبل وقوع تظاهرات إيران كان من الصعب على أحد ممن هو خارج ما يسمى محور الممانعة ان يشكك بـ”انتصارات” هذا المحور لاسيما في سوريا حيث إندفع الايرانيون الى توسيع نطاق المواجهات في الغوطة الشرقية لدمشق وفي أدلب في الشمال بما أوحى ان طهران تريد إحراز سيطرة كاملة بدعم واضح من موسكو على معظم سوريا بإستثناء شرقي الفرات حيث تتمركز القوات الاميركية.وفي هذا الاطار يأتي نبأ القمة الذي ورد آنفا وفيه ان روسيا التي صارت يائسة من الحصول على تجاوب أميركي مع صفقة يجري من خلالها توزيع مغانم الفريسة السورية بدأت تتجه الى تعزيز ورقة التحالف مع طهران كي تصمد في مواجهة العواصف المرتقبة في سوريا وعدد من أقطار المنطقة.
الان,وبعد المفاجأة الايرانية إختلفت الحسابات.لم يعد بإمكان آلة الدعاية الايرانية الحديث عن مقدسات تبرر كل هذه الدماء التي يسفكها التدخل الايراني في ساحات المنطقة.بالامس أقام “حزب الله” الدنيا ولم يقعدها عندما جاهر محتجون في حي السلم بالضاحية الجنوبية لبيروت بإنتقادات مباشرة لنصرالله. لكن الحزب سمع اليوم وشاهد كيف ان الايرانيين هتفوا بالموت لخامنئي.كما هتفوا أيضا بعدائهم للحزب نقسه الذي يعيش على حساب افواه الايرانيين الجائعة. بإختصار، لقد إنكسرت قداسة مشروع السيطرة الايرانية ولن يفيد نبأ المصافحة بين بوتين ونصرالله في قمة حميميم ان يجعل من “حزب الله” مرغوبا به مجددا في إيران.

السابق
إصدار مذكرة توقيف غيابية بحق الإعلامية ماريا معلوف
التالي
إيران إلى أين؟