يبدأ العلامة السيد محمد حسن الأمين حديثه بطرح غير مألوف يجعل من الدولة المدنية راعية تطبيق الشريعة لا الدولة الدينية فيقول: “نحن نستطيع إذا كنا مسلمين حقيقيين أن نعمل وفق الإسلام، وأن نتقيّد بالأوامر والنواهي التي جاءت بها الشريعة، ومع ذلك تبقى الدولة مدنية، أي يتم اختيارها بواسطة الشورى والانتخابات “الديموقراطية”.فليس من الضروري لتكون الدولة مدنية أن تحرّم الواجب او توجب المحرّم، بل يمكن للدولة خاصة إذا كان جمهورها مسلماً أن تتوقف عند حدود الواجب والمحرم في شريعة الإسلام. ولكن شرعية السلطة بين القائلين بالدولة الدينية والقائلين بالدولة المدنية تختلف حيث أن القائلين بالدولة الدينية يجعلون شرعيتها لله تعالى، أي لمن يمثل في نظرهم قول الله تعالى وإرادته، وفي الدولة المدنية فإن شرعية السلطة تنجم عن العقد الاجتماعي بين الأفراد في المجتمع والسلطة التي تحكم هذا المجتمع.”
ويتابع السيد الامين شارحا ” قد تكون الدولة المدنية في مثل هذه الحالة أكثر التزاماً بالأحكام الإلهية، إذا كان المجتمع الذي تحكمه هذه الدولة متدنياً وحريصاً على مراعاتة الشريعة الإسلامية، ولكن الدولة المدنية، خلافاً لما يحسب البعض من منظري الحركات الاسلامية السياسية “أنها غير معنية في وضع التشريعات وبعبارة أوضح، أن التشريعات كلها من الله سبحانه وتعالى ولا خيار للبشر في طريقة واختيار أسلوب حياتهم والقوانين التي يريدون أن يخضعوا لها. والحق أن مساحة المباحات في الشريعة الإسلامية هي من السعة بدرجة لا تقاس بها من حيث العدد مساحة الواجب والمحرّم فكل التنظيمات الاقتصادية والجغرافية والاجتماعية والزراعية والتنموية، كلها من المجالات الموكلة لإرادة الإنسان، وإلا ما معنى تعالى، “وأمرهم شورى بينهم”، أي إذا كان الأمر يتعلق بقرار ليس فيه حكم قرآني أو من السنّة، فإن على المجتمع أن يتخذ القرار المناسب والنافع، وهذا ما نسميه بالمنافع او المصالح المرسلة التي لا بد من تنظيمها.”
وعن الغاية من استبعاد الدولة الدينية يوضح السيد الامين ” إن استبعادنا للدولة الدينية ليس كما قلنا وأشرنا استبعاد لأحكام الشرع الشريف ولكنه لسدّ الذرائع التي تجعل من السلطة بغير حق ممثلة الله على الأرض، إذ في الدولة الدينية يمكن أن تصدر أحكام وقوانين لمصلحة الحاكمين ورغم ذلك تنسب أنها للحفاظ على الدين، وبعبارة أوضح أيضاً، فإن السلطة التي يجب أن تكون مقيدة تصبح سلطة مطلقة عندما لا تأخذ شرعيتها من الشعب.”
إقرأ أيضاً: العلامة السيد محمد حسن الأمين: «الخلافة وولاية الفقيه» غير منزلتين من السماء
ويؤكد السيد الامين ان” تعبير الدولة الإسلامية هو تعبير حديث وليس قديماً، فقد كان للدولة شكل معيّن سميت على أساسه دولة الخلافة، ولم تسم الدولة الإسلامية رغم ادعائها أنها تنطق وتحكم بإسم الإسلام. وعندما تقول أن الدولة الإسلامية غير مشروعة، فنحن نقصد الدولة الدينية التي تدعي أنها تمثل إرادة الله على الأرض، وهذا معناه أن لا دولة في الإسلام، وإنما هناك اجتماع إسلامي وجمهور إسلامي يختار نظامه بالطريقة التي يراها مناسبة لمصلحته ونموّه وتحقيق العدل والازدهار داخل المجتمع، وهذا لا يتم إلا إذا ختار المجتمع الدولة، أي إذا كانت السلطة العليا للمجتمع، وأنا هنا أقول لبعض المتشددين أنهم يريدون دولة دينية: من قال لكم أن المجتمع عندما يكون هو مصدر السلطة سيكون رأيه مغايرا لرأي الشريعة؟ إن موقفكم هذا هو إعلان عدم الثقة بمجتمعكم، ولعل أبرز الثغرات التي أصابت الحكم الإسلامي طيلة عقوده إنما كانت بالاستهزاء بآراء العامة، أو ما يسمونهم العامة، وبالتالي تتحول السلطة في أيديهم إلى سلطة استبدادية، وهذه قاعدة تاريخنا الإسلامي عدا فترات وجيزة.”
إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الانقسامات العربية سببها غياب المشروع الحقيقي
ويختم السيد الامين بقوله ان “الدولة المدنية الحافظة لحقوق الأفراد ولحرياتهم هي الدولة الشرعية القادرة على تطبيق المباح والمتاح من الشريعة كما يقرها الشعب عن طريق المجالس النيابية التي ينتخبها، ونحن القائلون ان هيبة الدولة لا تتحقق إلا بامتلاك المجتمع لحرياته الكاملة في اختيار سلطاته. فليس مجرّد أن يكون الفقيه مجتهداً كافياً لأن يغدو حاكماً بالضرورة وإلا فما اكثر من سيصبحون من المجتهدين ويصبح لهم الحق في تولي السلطة، هذا دون أن نقلل من شأن هؤلاء المجتهدين، ولكنه لا يتجاوز عن كونهم أفراداً في هذا المجتمع ولم يعيّنهم الله تعالى حكاماً مطلقين له، مع العلم انه يجوز للفقيه أن يرشح نفسه لاستلام موقع سلطوي، لكن بوصفه ممتلكا للحقوق والواجبات نفسها التي يمتلكها أفراد المجتمع”.