«عصر الظهور» يطوي خطاب «النصر الإلهي»

وظيفة العقل الإيديولوجي لي عنق الواقع لتثبيت الإيديولوجيا فيما العقيدة الطوباوية تستحضر المستقبل لتصادر الحاضر. هذا ما يمكن استخلاصه في مفاصل من تاريخ البشرية قديما وما نعيشه في الحاضر من تداعيات الإيديولوجيا في نموذجها الإيراني اليوم.

حشرة إيران وحزب الله تبرز في تراجع  خطاب “النصر الإلهي” وانحساره لصالح  خطاب “عصر الظهور”. فحزب الله عندما يكون في حالة زهو وانتصار، لا نجده يتحدث عن قرب ظهور الإمام المهدي، بل نجده يبالغ في الحديث عن الإنتصارات الإلهية، أما عندما يكون في وضعية غير مريحة أو في حشرة استراتيجية نجده يستحضر خطاب “المهدوية” وعصر الظهور. وهذه من نتائج التورط في الحرب السورية التي نواجه كارثتها، كما الأسئلة العراقية إزاء كوارث إدارته من قبل سلطة رعتها إيران، بإحالة أسئلة الفشل والتدمير الى روايات دينية يجري استحضارها بغاية الهروب من المسؤولية.

ممثل المرشد الأعلى علي خامنئي لدى الحرس الثوري علي سعيدي، إذ أكّد في تصريح لموقع الحرس الثوري الإيراني الرسمي قبل أيام  أنّ الثورة الإسلامية قد هيأت الساحة لظهور الإمام المهدي وتعد المرحلة الأخيرة قبل ظهوره. مضيفاً “ لكن هناك طرفان يعملان على منع ذلك هما أميركا من جهة، والليبراليون والعلمانيون في إيران من جهة ثانية”.

وهذا الخطاب الذي يجد صداه في لبنان يضيف إليه احد الكوادر القيادية التوجيهية داخل حزب الله الشيخ مالك وهبه الذي نشر على صفحته قبل يومين صدى لممثل خامنئي “أراجع تاريخنا منذ بدء عاشوراء فلا أجد ، ومن دون أي مبالغة ، زماناً أفضل من زماننا على مستوى تهيئة الظروف الفضلى لاستقبال الإمام الحجة وظهوره . لقد احتاج الأمر إلى ما يزيد الألف والثلاثماءة عام كي تتهيأ مثل هذه الأمة ومثل هذه الظروف . وأقول : سيدي يا صاحب الزمان إن لم يكن ، سلام الله عليك ، هذا هو أوان الظهور فمتى يكون ؟..” وأردف في إضافة أخرى “إذا لم يتم الظهور في هذا العصر فإنّ الظهور سيتأخر ألف عام”.

 يمكن ملاحظة ما تقدم أنّه عندما يتم استحضار خطاب العقيدة المهدوية ويتقدم، فهو في غالب الأحيان يأتي استجابة لقلق لدى القاعدة الشعبية للسلطة التي تستخدمه وتستثمره، فالعقيدة المهدوية وظيفتها اليوم بمعيار الإيديولوجيا الإيرانية، أن تعالج هذا القلق وتخفف منه، “المهدوية” هي عقيدة يجري استخدامها اليوم من قبل هذه الإيديولوجيا  كما استخدمتها سلطات سابقة في التاريخ أيّ استحضار المستقبل بغاية مصادرة الحاضر، الذي لا تجد هذه السلطات إجابات على تحدياته، إلاّ بالذهاب إلى الطوباوية.

إقرأ أيضاً: اساطير دينية ايرانية تغذّي حروبها الطائفية

ففي منطق الإيديولوجيا الإيرانية اليوم التي يجري استخدامها لتبرير كل هذا التورط التدميري على مستوى المنطقة، يصبح تدمير سوريا والعراق واليمن هو من مؤشرات عصر الظهور، وتستحضر الروايات الدينية للهروب من الإجابة المنطقية على تبرير الواقع الذي آلت إليه السياسات التي كانت الإيديولوجيا الإيرانية طرفاً فيه، وللهروب من مسؤولية إحداث الشروخ المذهبية بين الشيعة ومحيطهم أيضاً، يتم استحضار روايات عصر الظهور لإحالة الكراهية والدم والقتل إلى بعض روايات هي محل تشكيك قوي من قبل الفقهاء، وذلك للخلوص أنّ الواقع المرير الذي نعيشه هو قدر، وليس نتيجة خيارات جرى تبنيها، ولا بسبب سياسات اعتمدت، بل إنّ هذا هو أمر الله.

إقرأ أيضاً: هل تخلى الامام المهدي عن أحمدي نجاد يا جماهير حزب الله!

بعد خطاب الانتصارات الإلهية الذي فقد وهجه واستنفدت مفرداته ترقبوا موجة عصر الظهور، وفي الحالين للقول أنّ المسؤول عن كل كوارثنا هو الله او الشيطان. أمّا البشر ومستثمري الايديولوجيا والمروجين له فهم لم يفعلوا غير تنفيذ حكم الله والأولياء فهل يسأل من قام بواجب الطاعة على ما فعل؟  

السابق
الإنشقاقات تعصف بحلفاء إيران في العراق
التالي
النظام السوري يلقي مساعدات لداعش في درعا