المنافسة الإقتصادية كسبيل للحدّ من الزبائنية واحتكار الطائفية

وزارة المالية
كل المسؤولين في الحكومة ومجلس النواب، يقولون أنّ الأرقام في لبنان وجهة نظر، ينسحب هذا الكلام بالدرجة الأولى على الدين العام، لكن لا أحد من المسؤولين وضع نصب عينيه الإضاءة على هذا الملف، لا سيما الكتل النيابية أو الوزراء الذين يؤرقهم سؤال حماية المال العام وخفض الدين. ثمّة من يقول من داخل الحكومة أنّ الدين العام بلغ الـ80 مليار دولار، فيما أحد الرؤساء السابقين الذي رفض إيراد اسمه أكّد أنّ الدين العام بلغ فعلياً الـ 120 مليار دولار.

قضايا الموازنة والمالية العامة يتم التعتيم عليها بتواطؤ مقصود، تعد البرامج والحلقات التلفزيونية للمديح بالسياسة التي يعتمدها حاكم مصرف لبنان والقائمة على المزيد من الدين، لا نعرّض بالحاكم ولا بمصرف لبنان، فالجميع متفق على أن لا يهز الثقة بملاءة لبنان المالية، لا همّ أيضاً، بل يجب أن يشكر اللبنانيون ربّهم صبحاً ومساءً على أنّ لديهم حاكماً اسمه رياض سلامة. بصراحة لا نتهم الرجل ولا ننزهه، بل الأكيد أنّ من صمد في هذا الموقع طيلة ربع قرن تقريباً، يعرف كيف يرضي أصحاب السلطة، أمّا المواطن والدولة فالله اعلم.

اقرأ أيضاً: هل فساد الموظف هو سبب ازمة القطاع العام؟

ليس هاجسنا حاكم مصرف لبنان، لكن وبعيداً عن السياسة وحساباتها الضيقة في لبنان، لا أحد يحاسب أحداً على تضخم الدين العام، فيما على المواطن أن يتلقى فرمانات الضرائب على دخله المتناقص، ومن أجل ماذا؟ من أجل تمويل الزبائنية، أي التوظيفات السياسية في القطاع العام وفي البلديات، نعم البلديات، هل قدمت الأحزاب السياسية نموذجاً في البلديات أفضل من نموذج إدارة القطاع العام أو الإدارة العامة، كلا… البلديات ولا سيما الكبرى منها تحولت إلى وكر للفساد، على صورة العديد من الوزارات، فالنظام هو ذاته، المحسوبيات واستسهال مدّ اليد والغرف من المال العام، تعددت الوسائل والغاية واحدة.

ليس المطلوب قطع يد السارق ولا سجن الفاسدين ولا إعدام المعيثين فساداً، المسألة ليست مسألة أخلاقية، إنّها مسألة نظام يجعل الطائفة أو حزب الطائفة صاحب حق في اقتطاع حصة من الدولة من دون أيّ مساءلة في كيف تصرف بهذه الحصة بل بأي حق وضع يده عليها؟ الفرصة المتاحة بعد ما ثبت أنّ أقطاب السلطة وكلٌّ باسم طائفته، يعتاش على المال العام من خلال اقتطاع حصة في وزارة أو في مجلس من المجالس الخدماتية وحتى في النفايات فضلاً عن قطاعات الخدمات وسواها هو كيف يمكن وقف النهب، الوسيلة المتاحة هي في منع الإحتكار، حتى احتكار الدولة الذي لا يؤدي إلاّ إلى النمط الذي يسلم الدولة حصصاً لمصادري الطوائف بقوة الزبائنية.

إطلاق المنافسة في قطاع الكهرباء لمن يشاء وإلغاء حصرية مؤسسة كهرباء لبنان، هو أوفر على جيب المواطن وأوفر على خزينة الدولة، إطلاق المنافسة في الهاتف الخلوي كفيل بتخفيض فاتورة الهاتف الخلوي على المواطن من دون أن يحد من موارد الخزينة من الهاتف بل سيزيد من مواردها بسبب ما تفرضه المنافسة من جذب للمشتركين وزيادة الخدمات، والسرعة في استثمار كل تطور تقني على هذا الصعيد.

مجلس النواب

إذاً كان المطلوب أن يتحمل اللبنانيون تمويل مانسبته 20 في المئة من القوة العاملة، أيّ الموظفين في القطاع العام، فعلى الحكومة أن تسعى لحماية مصادر دخلها وحماية من يوفر لها الموارد المالية، وهذا لن يتحقق بزيادة الضرائب، بل بتحفيز الإستثمار والعمل، أمّا سياسة فرض الضرائب المعوقة للإستثمار والعمل، كما هو الحال في لبنان، سواء على مستوى سعر الطاقة الكهربائية، أو الاتصالات أو الإنترنت، أو الضرائب التي جعلت على سبيل المثال لا الحصر رؤوس الأموال السورية خلال الأزمة الحالية في سوريا، لا تقترب من لبنان بل تتجه إلى تركيا أو الأردن أو غيرها من الدول، وهذا مؤشر على أنّ النظام الضريبي في لبنان لا يجذب المستثمرين، بل الأهم أنّ الاحتكارات في كل المجالات ولا سيما الحيوية منها، تجعل الاقتصاد عاجزاً عن التطور والتوسع والانتاج، ودائماً بسبب أساسي هو منع المنافسة.

اقرأ أيضاً: كيف ننجح في انقاذ عجز القطاع العام واستنقاذه؟

المنافسة ضرورية لتحسين الخدمات ولخفض الكلفة، ودور الدولة يجب أن يكون تنظيمياً كشرطي السير الذي ينظم المرور ويمنع حصول حوادث السير، فبعدما تمّ خطف القطاع العام من قبل الطوائف وتحول إلى حق مكتسب لزعاماتها، في نظام خبيث يهدر الإمكانات ويجيرها من أجل تأبيد الزبائنية والتخلف، تبدو الحلول غير متاحة إلاّ عبر الحدّ من احتكارات الدولة لحساب الزبائنية، وإطلاق المنافسة التي تحدّ من ظاهرة المافيات سواء في الكهرباء أو في قطاع النفط، وتخفف من الأعباء على الخزينة العامة، وتخفض كلفة الانتاج وتفرض تخفيض قيمة السلع والخدمات على المواطن، وتتيح جذب الاستثمارات الخارجية وتحفز المصارف على الاستثمار بدل الاستمرار في سياسة تسليف الدولة.

السابق
تحليق كثيف للمروحيات والطائرات الإسرائيلية في سماء الجنوب
التالي
سحر كلمة مجاناً وخداعها للمستهلك