يا ويلنا من بعدك يادولة الرئيس(3): أمل اللبنانية في زمن الوصاية الايرانية

حركة أمل التي تطغى عليها شخصية رئيسها، رئيس مجلس النواب نبيه بري، والتي كانت سدا داخل الطائفة الشيعية امام النفوذ الايراني، هي اليوم لا تعدو كونها حالة متميزة لشريحة شيعية خارج النسق الاجنماعي والثقافي لنظام ولاية الفقيه، ما يجعل مستقبلها يشوبه الغموض بعد الرئيس بري، في ظل غياب مرجعية اقليمية داعمة كما كان الحال في عهد الوصاية السورية.

مع مرور 39 عاما على تغييب الامام موسى الصدر، وبعد 37 عاما على زعامة الرئيس نبيه بري المستمرة لحركة امل، يمكن القول ان حركة المحرومين أمام طورٍ جديد يفرض نفسه، في ظل الاسئلة المشروعة حول ما بعد الرئيس بري اطال الله بعمره، وفي ظل تمدد حزب الله داخل الطائفة الشيعية وبروز زعامة شيعية موازية لزعامة بري شكّلها ولا يزال السيد حسن نصرالله.

يشكل موقع الرئيس بري وتاريخه السياسي وزعامته، عنصرا محوريا في عملية تحصين حركة امل في مواجهة عمليات القضم المستمرة من جسم امل وجمهورها طيلة ثلاثة عقود، وحزب الله الذي غرف من جمهور امل منذ العام 1985 مستندا الى ايديولوجية ولاية الفقيه، والى الدعم الايراني المالي والعسكري والمؤسساتي له داخل الطائفة الشيعية، نجح الرئيس بري في التخفيف من طغيانه بالمحافظة على زعامة استمدت قوتها من الهوية الشيعية اللبنانية ومن علاقة متينة مع القيادة السورية في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد.

لا يمكن الاشارة الى صمود حركة امل من دون الاشارة الى دور الرئيس بري الذي نجح الى حدّ بعيد في ضبط شهية الابتلاع لحزب الله للشيعة ومن خلفه ايران، ولا شك ان عملية تحصين امل فرضت على الرئيس بري مع غياب الراعي الاقليمي السوري ولا سيما بعد العام 2005، ان يهادن حزب الله في الخيارات الاستراتيجية وهي بالضرورة خيارات ايرانية بالدرجة الاولى وسوريا بدرجة ثانية، ذلك ان الرئيس بري كان يدرك ان هذه السياسة هي السبيل للمحافظة على دوره ونفوذ حركة امل، وسلم الى حدّ ما بانه الشريك الشيعي مع افضلية لحزب الله في هذه الشراكة اللبنانية، ولعل ما احاط بعملية انتخاب ميشال عون كان بمثابة اعلان غير رسمي عن تقدم حزب الله، ذلك انها المرة الاولى التي يظهر فيها الرئيس بري انه اخر من يعلم حول صفقة انتخاب ميشال عون رئيسا.

اقرأ أيضا:حركة أمل: «يا ويلنا من بعدك يا دولة الرئيس»…

لا شك ان المظهر الاخير في صفقة انتخاب رئيس الجمهورية، كان مسبوقا بتمدد حزب الله داخل مؤسسات السلطة الادارية والامنية على حساب نفوذ الرئيس بري، ودائما على قاعدة ثنائية الشراكة، بلا شراكة ثالثة او رابعة داخل الطائفة الشيعية. السد الذي شكله بري على طريقته في مواجهة طوفان النفوذ الايراني، جعل حزب الله قابلا بشروطها ما دامت تلبي شروط الاستراتيجية الايرانية، وتحميه من اي مخاطر انفجار شيعي في مواجهته، لا سيما ان هناك شواهد على صراع دموي شهده النصف الثاني من حقبة الثمانينات من القرن الماضي مع حركة امل ادى الى سقوط مئات القتلى والاف الجرحى بين الطرفين.

السؤال للذي يفرض نفسه على حركة امل بعد الرئيس بري هو العلاقة مع حزب الله بالدرجة الاولى، ذلك ان الغموض الذي يحيط بمسألة قيادة امل في ظل غياب اي بديل يوازي في قدرته استكمال ادارة عملية التوازن مع حزب الله كما هو حال الرئيس بري اليوم، سيجعل حركة امل امام خيارات صعبة، وفي ظل صراع طبيعي بين مراكز القوى والنفوذ داخلها، سيعمد بعض هذه القوى ربما الى استدعاء واستدراج حزب الله للتدخل سواء لرأب الصدع، او لدعم فريق على حساب اخر، لاسيما ان حركة امل وجمهورها، لم يعد يجد امامه قامة سياسية او دينية او مرجعية سوى الرئيس بري، وهو الذي كان بارعا في تهميش القياديين من الرجال الدين الكبار المقربين من حركته او حتى الشخصيات السياسية والتنظيمية، الذين كان من الممكن ان يشكلوا حصناً وحامياً في مواجهة طغيان العمامة الايرانية.  

سيكون من التبسيط القول ان حزب الله ومن خلفه ايران، ليسوا اليوم في وارد البحث في مرحلة ما بعد الرئيس بري، ولاشك ان التفكير منصب على كيف ستتم عملية ادارة وراثة زعامة الرئيس بري، والارجح اننا سنشهد بروز ثنائية ايرانية-حزب اللهية، في الشكل، لكن واحدة في المضمون غايتها السيطرة على حركة امل، لذا يمكن ان نستند الى بعض ما يتردد من ان ايران تطمح الى المحافظة على استقلالية “امل” في مواجهة حزب الله، على قاعدة ان تبقى القيادة الايرانية المرجع للطرفين، والقادر في نفس الوقت على لجم شهية حزب الله لابتلاع امل، وبالتالي حماية نظام المصالح داخل السلطة اللبنانية الذي يمثله ويحميه الرئيس بري، وهذا يتطلب الدفع باتجاه دعم قيادة قادرة على لعب هذا الدور، اي المحافظة على خصوصية امل والتسليم بالرعاية الايرانية لها.

اقرأ أيضا:يا ويلنا من بعدك يا دولة الرئيس (2): هل يمهد برّي لقيادة جديدة لـ«امل» ومن هي؟

يبقى ان الخيط الذهبي الذي يلتقطه الرئيس بري بحرفة عالية حتى الآن، هو في قدرته على المحافظة على بعض الخصوصية التي تجعل جزءا من شيعة لبنان واللبنانيين عموما يرون فيه مهما قيل في سلوكه السياسي او السلطوي وداخل الدولة، انه ينتمي الى نظام المصالح اللبناني وربط حركة امل بشرايين الدولة يعطيها وتعطيه، بخلاف النظرة الى حزب الله الذي ليس لدى ايّ لبناني قناعة بأن وجوده مرتبط بوجود الكيان اللبناني، بقدر ارتباطه بنظام مصالح ولاية الفقيه.

يبقى القول ما هي الخيارات المطروحة لدى ايران وحزب الله في التعامل مع حركة امل بعد الرئيس بري اطال الله بعمره؟  

السابق
تسجيل إصابات في صفوف موظفي الجديد
التالي
شربل خليل للمعتصمين: عم تحلموا إني إعتذر!