في مآلات الايديولوجيا الايرانية عربياً

من التبشير بالصحوة الاسلامية مقابل الصحوة المدنية في بداية الربيع العربي الى الانتقال من نبذ الاصوليات السنية والجهادية الى تعزيز الهويات المذهبية، مشهد ترجمته الايديولوجيا الايرانية عبر نفوذها في العالم العربي بالتزامن مع تقارب غير مسبوق منذ الامام الخميني مع من رفعت شعار الموت لهم واشنطن وموسكو.

المواجهة التي خاضتها الأيديولوجيا الإيرانية في العقود الثلاثة الماضية في العالم العربي، بعناوين شتى أبرزها العداء لأميركا، ومشروع الوحدة الإسلامية، نجحت خلالها في استثمار تراجع تجربة الأحزاب الشيوعية والقومية العربية، وأظهرت إلى حدّ ما كفاءة في النفاذ إلى القضية الفلسطينية عبر الاستثمار بالانقسام الفلسطيني من خلال دعمها لكل القوى المقاومة على شرط العداء  لمنظمة التحرير الفلسطينية وزعامة ياسر عرفات. وإلى هذا الاختراق كان الإرهاب هو ما التصق بسياسة إيران غربياً ولا سيما في البعد الأمني الذي مثلته عمليات تفجير في أوروبا وتنفيذ اغتيالات وخطف رهائن وتفجير سفارات أميركية وغربية وعربية، قامت بها مجموعات أمنية سرية كانت أبرزها “منظمة الجهاد الإسلامي” التي كان الحرس الثوري يرعاها كما هو معروف وان بشكل غير معلن.

الخطاب الأيديولوجي الإيراني الذي كان يرد على تهمة الإرهاب آنذاك، لم تكن قبل الربيع العربي إلا تعبيرا عن سياسة استعمارية لمواجهة حركات التحرر في العالم العربي والإسلامي، وهي من المصطلحات التي كان يمنع إيرادها في وسائل إعلام تابعة لإيران باعتبارها محاولة أميركية وغربية لادراج كل ما هو اصولي اسلامي وثوري حقيقي وضد الاستعمار الغربي في خانة الارهاب

في بداية الربيع العربي بدت الأيديولوجيا الإيرانية أمام إرباك حقيقي، تمثل في أنّ في العالم العربي من يمكن أن ينتفـض ضـد الأنظمـة الاستبـدادية من دون أن تكون لا الأيديولوجيا الإيرانية ولا إيران نفسها وراء انتفاضته، كما حصل في مصـر وليبيا وتـونس، وسورية لـذا سـارعت في خطـوة تنمّ عن هذا الإرباك وفي محاولة ماكرة إلى إطلاق تسمية الصحوة الإسلامية على الحراك المدني في الدول العربية، وعقدت في سبيل تثبيت هذه التسمية ثلاثة مؤتمرات في طهران وحضرتها شخصيات عربية وإن بشكل خجول، لكن المفارقة أنّ إيران رفعت شعار الإسلام في مواجهة حراك له طابع مدني، وعندما برزت الهوية الإسلاميـة لدى جـزء من هذا الحراك، تراجعت واتهمته بالتكفير والارهاب.

 

ايران

 

 

وبمعزل عن التقييم لهذا الحراك وتحولاته، فإنّ الثابت أنّ إيران التي كانت مسبـوقة بمشهـد الثـورة الخضراء قبل عامين من انطـلاق الربيع العـربي، تتعـامل بشـراسة مع أيّ محاولة تغيير في العالم العـربي لا تكـون هي مرجعيته، أو مصدر إلهامه أو قاعدته الأساس.

إقرأ أيضاً: المقاومة السنية برعاية إيرانية ضد روسيا في سوريا!

إزاء هذا الحراك التغييري وجدت إيران أنّ نظام مصالحها الإقليمي والدولي لا يستند إلى واقعها الاقتصادي المتدهور، ولا إلى نموذج تنموي ناجح، ولا إلى نموذج في الحكم يشكل قوة جذب لدعاة التغيير والانتقال من الأنظمة الشمولية إلى أنظمة تحتـرم خيارات الشعوب وإرادة الفرد. والأهم أنّه نقيض كل الشعارات التي رفعتها عن وحدة المسلمين وصبّ في مصلحة المستعمرين الروس او الاميركيين.

نظام مصالح إيران قائم على نفوذها في المنطقة العربية والذي كانت فرصة تعزيزه على حساب الخراب الذي ينكشف اليوم على نفوذ إيراني متنام ليس بقوة الوحدة بل بقوة تدمير المجتمعـات، وليـس عبر بنـاء علاقات تعـاون مع الـدول العربية بل على مشروع انهيار هذه الدول وتجزئتها، وليس في مواجهة إسرائيل والاحتلال الصهيوني، بل على أساس تفجير الخلافات المذهبية والدينية، وكل ذلك يوازيه أنّ الأيديولوجيا الإيرانية وأدواتها في المنطقة باتت أول من يتبنى “الحرب على الإرهاب” ولو على حساب زيادة نفوذ الدول الكبرى وبالتعاون معها.

إقرأ أيضاً: تخبط علاقة روسيا بإيران.. هل هو فرصة للمعارضة السورية؟

ما تقوله الوقائع اليوم أنّ وحدة العراق هي مشروع باتت إيران الخاسر الأوّل في حال تحققه، ووحدة اليمن مشروع نابذ للنفوذ الإيراني، كذلك فإنّ قوة الدولة في لبنان هي رسالة موجهة ضد إيران، أما سوريا فالوقائع تقول إنّ وحدة سوريا وإسقاط نظام القتل فيها هو تقويض لمشروع إيران في المنطقة من خلال تقويض “الهلال الشيعي” نعم إيران تتقرب من روسيا في مطحنة تدمير سورية، وتتقرب من واشنطن من خلال الانخراط في مشروع الحرب على الإرهاب في العراق، وتُطمئن إسرائيل من خلال الزج بعشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة في لبنان في الحرب السورية وفي مشروع تعميق الشرخ بين السنة والشيعة على حدود إسرائيل.

السابق
حزب الله يطمئن جنبلاط: «النسبي المختلط» هو الحلّ
التالي
حماة الديار تتحضر للإنتخابات النيابية: سوف نترشح في معظم الأقضية