في سجون الأسد: قتلوه وعذبوا زوجته.. وحزب الله يتسلط على الأجساد العارية

كتب أحد المساجين السابقين في فرع الأمن في حلب وهو وائل الزهراوي عبر صفحته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي شهادات حيّة ومريرة عمّا رآه خلال الفترة التي قضاها بين جدران السجن الأسدي.

_ في الزنزانة الثالثة التي لايزيد طولها عن ثلاثة أمتار وعرضها أقل من مترين لم نكن قادرين على تمييز وجوه بعضنا بوضوح فالنافذة الصغيرة فوق الباب كانت هي منفذ الضوء الوحيد الذي يأتينا من الممر الذي كان يفصلنا عن أبواب غرف التحقيق كان عدم وضوح ملامحنا تحت ذاكـ الضوء الخافت يشبه كثيرا غموض مصيرنا في غرفة الموت تلك في فرع أمن الدولة بحلب يتجلى الموت بأقبح وجوهه.
كان بشير هزيلاً لدرجة مرعبة بحكم أنه يجلس عن يميني بل ويلتصق بي كنت قد تعودت على رؤية الحفر التي نهشت جسده .

عظم فخذه واضحٌ جداً بعد الخرّاج الذي كان نتيجة إحدى ليالي التعذيب أثناء التحقيق
وخلال عشرين يوماً امضيتها بقربه حفظت كل حكاياته التي كان كثيرا ما يعيدها على مسامعي
طلبونا مرةً للتحقيق معاً وعذبونا معاُ بذات الغرفه وهذا جعله يشعر بالقرب الشديد مني

عيناه الجاحظتان وأنفه المدبب وحاجباه الكثيفان وعظمتي كتفيه البارزتين ورائحته النتنة والجرب الذي يشاركه جسده وسعاله المخنوق كل ذلك كان يؤكد لكل من يراه أن موته قريب .

لم يكن بكامل وعيه فعيناه دوما نصف مغلقتان، التعذيب الشديد الذي تعرض له جعل ذاكرته تختزل حياته ببضع كلمات :
ثريا ابنته _ عبادة ابنه _ سناء نبعه زوجته…وابنته الصغيرة رؤى
اكتشف بشير ذاته داخل السجن تعرف على نفسه في العتمة والظلام

وحدد موقفه من الحياة وأعاد تسمية الكثير من الاشياء .. أهم شيء عَرَفه في المعتقل عشقه اللامحدود لسناء زوجته وكم هي إنسانة نبيلة كي تشاركه كل ذاكـ البؤس الذي كان يُسمى حياته
كان يسكنه شعور مميت أنه ظلمها بقدره الأسود ويردد دوما عبارة واحدة :
ياترى منين عم تجيب سناء حق أكل للولاد..

في صباح 30 /4 / 2014 استيقظنا على صراخ السجانين :
_ لسا نايمين ما هيك قوموا يا ولاد ..
قال رئيس الغرفه ياشباب معناها في تحويل عالشام اليوم، كان التحويل إلى دمشق بمثابة تذكرة موت فبغض النظر عن التصفيات التي تتم بالعشرات لكثير من المعتقلين هناك يعتبر العذاب الذي يُلاقونه في طريق الوصول الى دمشق أسوأ من الموت. ممارسات وثنية التسلط على تلك الأجساد العارية في مطار حلب آنذاك حيث كان يسيطر عليه عناصر حزب الله ..
في مساء ذلك اليوم كانت زنزانتنا تبدو أقل قبحاً كنا فيها 36 رجلاً ننام وقوفاً
سبعة منا أُرسلوا لدمشق
قال لي بشير ياربي دخيلك غرفه ثلاتة أمتار بثلاثة أمتار فيها 300 رجل والله تعبت . تعبت بتعرف يا أستاذ ياريت أموت وأرتاح ياريت .
وضعت يدي على كتفه وقلت له: الولاد عم ينتظروك يا بشير بكرا منطلع وبشوفك برى لا تزعل يا أخي
فبدأ يبكي ويقول انشالله انشالله

ما تعودنا عليه ان يبدأ التحقيق مع النساء بعد الثانية عشر ليلاً لكني بدأت أسمع أصوات النساء مبكراً هذه الليلة وهن يقلن حاضر سيدي حاضر سيدي حين ينطق أحد المجرمين بأسمائهن بلغة طلاب الصف الثاني الابتدائي.
التعذيب هو هندسة القهر وأدواته دليل توحش الإنسانية…

و تعذيب النساء كان أقسى أنواع القهر الذي سمعته في حياتي ورأيته لاحقاً !

انتهت حفلة التحقيق مع الدفعة الأولى من النساء أربعة نساء يتم توزيعهن على أربعة محققين ومعهن أربعة مساعدين مجرمين من القتلة ومصاصي الدماء

كان بشير غافياً على كتفي اليمين
وبدأ المساعد يذيع أسماء الدفعة الثانية من النساء اللواتي سيتم التحقيق معهن
وفجأة وعلى ذات فجيعة من الزمان
شعرت أن فكي أصيب بالشلل بعد أن نطق المساعد المسخ الإسم الثاني :
سناء نبعه ………………….
لم أصدق ما سمعت يالله يارب يارب لم كل هذا .
صحا بشير من غفوته ونظر لأول مرة إليَّ وعيناه مفتوحتان بالكامل تركتُ نظراته تنساب بداخلي حولتني عيناه لنصف وجود وتراكمت بداخلي سنوات من بكاء
وقال: مو كأنو قال سناء نبعه … مرتي !

قلت له لا لا يارجل طول بالك اش عم تحلم
(( لم يكن المسكين يعلم أنهم بعد أن اعتقلوه رجعوا لبيته واعتقلوا سناء زوجته بعدهُ بساعتين )))
لكن المسخ كرر الاسم قبل أن يدخلوا للتحقيق فأعاد ذكر الأسماء وقبل أن ينطق بالاسم الثاني وقف بشير على قدميه قلت له خاي بشير دير بالك ترفع صوتك أنت لن تتحمل تعذيب جديد .
دفع يدي وأصغى السمع وجاء الاسم ثانيةً وأقوى من أول مرة :
سناء نبعه
ضرب بشير رأسه بيديه وصرخ يالله دخيلك هي مرتي سناء .
أستاذ وائل دخيلك ليش مرتي سناء هون !!!
كانت عيناه تستنجدان بي وماذا يمكنني أن أفعل له … لست سوى معتقل مهزوم مكسور ميت .

إقرأ أيضاً: شهادة حيّة من فرع الأمن في حلب: باع بيته بدلاً لثمن قتله من سجانه

ورفع صوته الذي كان يرتجف اكثر من رعشة جسده وصار يصرخ وضعت يدي على فمه لكنه دفعني بقوة بجسده الهزيل لك هي مرتي سناء مرتي يا جماعة والله مرتي سناء

وصرخ بكل قوته سناء سناء أنتِ هون سناء لك سناء ومع ضربات يده على باب الزنزانة دمعت عيناي عليه عرفت مصيره… وبصوت مرتجف معتق بالخوف ردت عليه سناء من وراء الباب : اي بشير أنا هون
_عم تردي يا … ودوى صوت الصفعة عالياً

أدخلوا سناء لعند المحقق
الممر هو الفاصل بين الزنازين وغرف التحقيق ولذا كنا دوما نسمع أصوات التعذيب بشكل واضح جداً وربما كان هذا مقصوداً
بدأوا يعذبون سناء وعلا صوتها بالصراخ ااااه والله مالي علاقه يا سيدي دخيلك يا سيدي دخيلك .
وبشير يصرخ سناء سناء وبدأ يبكي بكاءً غريباً .. وينادي سناء من ايمتى أنتِ هون سناء أنا مفكرك مع الولاد سناء.. الولاد مع مين سناء وينهن ولادنا سناااااء سنااااااء

أتى صوت المساعد علي كصوت الموت :
_ كمان كمان دق لقلك عالباب يا ابن العاهره جاييك
ولازال تراطم المفاتيح التي يعلقها الناس على خصورهم يخيفني لليوم لأن ذات الصوت كنت أسمعه قبل أن يطلبونا .
بعد ثوانٍ فُتِحَ الباب
كان خيال المساعد علي كبيرا جداً ملأَ كل الغرفة..
بدت يده وهو يمسك فيها كبل الدبابه أكبر من كل أحلامي وأعظم من كل الهتافات ..

ولأول مرة ينظر معتقل في عيون المساعد علي إنها نظرة الموت.
كانا يقفان مقابل بعضهما الخير والشر الحب والكراهية الموت والحياة الرجولة والدناءة الوطن والغرباء..
ركل المساعد علي بكل قوته بشير على بطنه فوقع أرضاً ولا زال يصرخ سناء سناء انتِ هون سناء وقال لبشير :
_ زعلان على سناء عم نحبّلك ياها مشان نجيب منها ولد يا أخو الـ… مابدنا نعذبك
وأتى سجان ثاني أمسك بشير من رجليه وسحبه لتحت الباب كنت اقف ورأسي باتجاه الحائط وأراه بطرف عيني اليسار كبّلو يديه وكبّلو رجليه لم يكن وزن بشير أكثر من 40 كيلو غراماً هيكل عظمي يتنفس ليس أكثر .

المسخ الذي كان يحقق مع سناء اسمه المحقق عبد المعطي ومعه مجرم قاتل معروف اسمه المساعد شادي وهو الذي كان يعذب سناء ومختص بتعذيب النساء والمشرف على طعامهن .

رفع المساعد علي يده بكبل الدبابه الى أعلى وهَوى بها على غير عادته على رأس بشير فأتى الصوت كتكسير العظام صرخ بشير من نخاع عظامه آآآآآآآه يا أمي أه يا سناء يالله دخيلكــــــــــــــــــ
وارتفع صوت سناء هناك ايضا بالبكاء.
وامتزج صراخ عذاب بشير بصراخ عذاب زوجته سناء
كان صراخهما يقسم ظهري ويطعنني في أعماقي ويشنق رجولتي ويغرس في قلبي حضارة من البؤس العتيق لازلت أتجول فيها لهذه اللحظة ..
أغمي على بشير بعد الكبل الواحد والثمانين ونزف الدم من أنفه وأذنيه وفمه وقدميه وفخذه….

إقرأ أيضاً: شهادات من سجون الأسد: وضع المساعد رجله فوق راسي وقال صرمايته أشرف من أمي

وهدأت اصوات سناء بعد أن اختفى صوت بشير..
رموه لداخل زنزانتنا
وما إن التفتُ لأراه حتى فتحوا الباب مرة أخرى أمسكوا بقدميه وسحبوه كما يسحب الوحش فريسته ليلتهمها لم يترك بشير في داخلي شيء ولم يترك لي شيء سوى خيط الدم الذي رسمه تحته وهم يجرونه إلى المجهول …

مضى بشير ومضيت معه الى هناك اختفى باللامكان واختفيت معه ..

و لازلت معتقلاً داخلـ حزني ولن يُطلق سراحي سوى الموت الذي سيُوقفُ ذاكرتي التي ُتصّر على أن تستعيد كل ليلة أصوات أولئك الذين ماتو بصمت دون أن يعرفهم أحد .
لأبقى أنا رجل ميت … لكني على قيد الحياة …

السابق
رويترز: أكثر من 1000 مقاتل إيراني سقطوا في الحرب السورية دفاعاً عن المقام!
التالي
رسالة من نوح زعيتر إلى الرئيس عون: افتح عهدك بالعفو