استعراض القصير: الصفعة!

احتار لبنان الرسمي في كيفية ابتلاع مشهدية العرض العسكري الذي نفذه حزب الله في القصير السورية التي يحتلها، فرئاسة الجمهورية صمتت وتيار المستقبل الذي يتزعمه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري دان الأمر لكن هل بمقدوره أكثر. أما الجيش اللبناني الذي ضُربت سلطته بصفته السلاح الشرعي الوحيد مراراً فقد غرق في الارتباك كما بدا في البيان الذي أصدره وقال فيه إن الدبابات التي ظهرت في “عرض عسكري” لم تكن من عتاده.

لم يسم بيان الجيش اللبناني لمن كان ذاك العرض وأين حصل. لقد نشرت وسائل إعلام معلومات عن احتمال أن تكون الدبابات الأميركية التي استعرضها حزب الله من مخزون الجيش وهو ما طالب الأميركيون بالتحقيق فيه وما سارع الجيش على نفيه.

في الحقيقة لم تعد هذه التفاصيل مهمة قياساً بالجريمة الأولى وهي استخفاف حزب الله بسيادة لبنان ووحدته ومستقبل اللبنانيين ومشاركته في مأساة الشعب السوري. لربما لا تكون الدبابات التي استخدمها حزب الله من مخزون الجيش اللبناني لكن لنفترض انها كذلك فماذا يمكن للسلطة المشرفة على هذا الجيش أن تفعل.

من يراقب ما يحصل يشعر وكأنما يقتصر دور الجيش حالياً على مراقبة الحدود لحماية حزب الله وعلى التضييق على مخيمات اللاجئين السوريين بحيث ينفذ كل بضعة أيام مداهمة بحقهم. وكأنما به يستعيض عن هيبة تم إذلالها في القصير بإذلال اللاجئين السوريين في لبنان.

كل هذا ونحن نعيش تحت مظلة شعار “شعب وجيش ومقاومة”. أنه الشعار المبتذل الذي حكم لبنان منذ نهاية الحرب وبداية سيطرة النظام السوري عام 1991. فبذريعة مقاومة إسرائيل جرى تكريس سلاح “حزب الله” بصفته موازياً للدولة، فنمى الحزب وتغلغل في كل مفاصل البلد وحكمها مكرساً نفوذاً إيرانياً سورياً بغض نظر ورضى عربي وإقليمي.. وهذه ليست رواية قديمة ممجوجة، إنها حكايتنا اليومية بحيث بتنا لتكرارها نشبه ذاك الفيلم الهوليوودي الذي تعاني فيه البطلة من عطب في الذاكرة بحيث تنسى حين تنام ما حصل معها في النهار لتعود وتكرر نفس الأحداث كل صباح وهكذا.

إقرأ أيضاً: رسالة القصير… رسالة إيرانية
المشكلة أننا لطالما اختبرنا رثاثة هذا الشعار ومضمونه الأجوف والذي أفضى بنا الاسبوع الماضي لنتابع ذاك العرض العسكري لحزب الله في القصير السورية التي يحتلها. إن كنتُ سورية أشاهدُ استعراض حزب الله فسأشعرُ حتما بالاستفزاز حيال قوة محتلة تستعرض في منطقة هجرت أهلها ودعمت قاتلهم.

أما كلبنانية فأرى إلى جانب المشاركة في جريمة قتل السوريين مزيداً من التقويض لفرص ضئيلة أصلاً لقيام دولة في لبنان. فحزب الله لا يتوقف عن ضخ الدلالات الطائفية لمشاركته في الحرب في سورية وهو يتولى استدراج جماعات مقابلة للغة موازية. والمسألة هنا أن استعراض القصير ليس سوى تظهير بصري لحقيقة نعيشها منذ ثلاث سنوات بصفتها صفعة على وجه السيادة اللبنانية.

إقرأ أيضاً: علي الأمين: استعراض القصير رسالة إعلامية لا تعكس واقع الحال على الأرض
هذه الصفعة قابلها رئيس الجمهورية ميشال عون بالصمت التام. ولا غرابة هنا، فهذا الصمت هو الذي سمح للرئيس الجديد أن يصل إلى حيث هو اليوم. أما حزب الله فهو يواصل امعاناً في مهمته الاقليمية ولا يشعر أنه معني بأي تمسك شكلي بالحد الأدنى من سيادة لبنانية مفترضة.

لقد بدأت تعرية لبنان الدولة بدأت لحظة إلغاء الحدود والذهاب إلى القتال من دون تفويض من اللبنانيين أولاً وثانياً لانقاذ نظام مجرم قاتل. والاستعراض البائس لحزب الله المحتل للقصير كشف مرة جديدة أن لا سلطة في لبنان خارج عباءة حزب الله وأي محاولات لتجميل الواقع هو شراكة في انتهاك السيادة وتبديد الحدود، والأهم شراكة في استمرار المقتلة السورية.

السابق
مارسيل غانم ينشر صوراً حصرية للعبرة.. وما علاقة الحريري؟!
التالي
جسر «إمبراطوري» إيراني بين القصير السورية وتلعفر العراقية