«الترامبية»… مجابهة الإرهاب بمثله

هل شكّلت أفكار دونالد ترامب المرشّح الجمهوري للرئاسة الأمريكية وآرائه، نظرية سياسية، بحيث يمكن أن نطلق عليها “الترامبية”؟ أم ثمّة مبالغة في الأمر، فظهور نظرية سياسية، يحتاج إلى حقبة زمنية تتبلور فيها، وسياسات رسمية تعتمدها، سواء كان المنظّر أو الداعية لها زعيماً أو قائداً أو رئيساً. وإذا أردنا ألاّ نحصر الأمر بالفلسفات والنظريات الكبرى، كالليبرالية والماركسية والفاشية والنازية وغيرها، فإن هناك نظريات وآراء تتعلق بالاستراتيجية الأمريكية، وخصوصاً تلك التي برزت بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تبنّاها رؤساء أمريكان، وهو ما ندرج فيه الترامبية، حتى وإن لم تتبلور بعد، لكن بعض أساساتها موجود في المجتمع الأمريكي.

اقرأ أيضاً: عندما ترمي إيران علينا «ثالثة الأثافي»

وقد كان مذهب ترومان قد تبلور في بداية الحرب الباردة، وهو يقوم على “فكرة القوة الضاربة” في المواجهة الاستراتيجية العسكرية ضد الاتحاد السوفييتي، وقد تلقّفه ونستون تشرشل الزعيم البريطاني الذي أطلق صرخته ضد الشيوعية.
أما مبدأ آيزنهاور فقد تشكّل حول “فكرة ملء الفراغ”، وجاء بعده مبدأ نيسكون الذي قام على “نظرية الدركي بالوكالة”، وأعقبه مبدأ كارتر المعروف بـ”التدخل السريع والمباشر”، طبقاً لما عناه بريجنسكي “قوس الأزمات والعمليات الصاعقة”، وعلى أساسه تحدّدت “استراتيجية الحرب ونصف الحرب”، وبالتدرّج كانت أوروبا أولاً والشرق الأقصى ثانياً والشرق الأوسط ثالثاً.
وفي غمرة الصراع الآيديولوجي في الثمانينات نشأ مبدأ ريغان الذي قام على “نظرية الحربين ونصف الحرب”، فالحرب الأولى في أوروبا، والثانية في الخليج ونصف الحرب أو حروب صغيرة في أمريكا اللاتينية.

دونالد ترامب
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وإقامة ما يسمى بـ”النظام العالمي الجديد” تم الترويج لمبدأ بوش الأب الذي استند إلى فكرة “الاستخدام الأوسع لنظرية القوة المسلحة”، والذي طبقه لاحقاً في أفغانستان والعراق، وحين جاء الرئيس كلينتون من بعده قدّم خطوة وأخّر أخرى في ظل سياسته الموسومة بـ”الاحتواء المزدوج”. والإبقاء على هيمنة واشنطن، وقد سار الرئيس بوش الابن، مديات أوسع في فكرة استخدام القوة، مقدّماً الوسائل العسكرية على الوسائل السلمية والدبلوماسية.
أما الأوبامية فهي وإن بدت استمراراً للاستراتيجية الأمريكية بخطوطها العامة، إلاّ أنها وتحت ضغط الفشل في العراق والأزمة المالية والاقتصادية، انكفأت وحاولت عدم التورط بإرسال قوات عسكرية إلى الخارج. فهل يمكن أن نقول إن ترامب حتى قبل أن يصبح رئيساً جاء ونظريته معه؟ فما بالك لو أصبحت سياسته رسمية؟
صحيح أن ترامب رجل أعمال، وليس له خبرة سياسية، لكن الآراء التي قال بها وروّج لها، وإنْ كانت غريبة عن مسار رؤوساء الولايات المتحدة السابقين، إلاّ أنها حاكت توجّهات قوى داخل المجتمع الأمريكي، وهي أفكار موجودة، بل ومنتشرة لدى أوساط واسعة، فجاء ترامب ليحرّكها، ويبث فيها روح المجابهة.
يستخفّ البعض بمحدودية تفكير ترامب ونظرته الضيّقة إلى العالم والعلاقات الدولية والإنسانية بين الأمم والشعوب، ويعتبر حضوره ضعيفاً، وهو لا يحظى حتى الآن حسب استطلاعات الرأي على 25% من أصوات الناخبين، وقد خسر في الولايات الكبرى، لكن أجواء الكراهية والعدائية والعنصرية ضد الآخر موجودة لدى فئات واسعة من السكان، بل تكاد تتفاقم سواء نجح ترامب أم لم ينجح.
وإذا كانت الولايات المتحدة في كل تاريخها المعاصر تشن الحروب وتحيك الدسائس والمؤامرات وتتدخّل بشؤون الدول الأخرى، ولكن الحجة دائماً كانت “حماية قيم العالم الحر” والدفاع عن الحرّيات وحقوق الإنسان ورعاية الديمقراطية، وهي الذرائع التي اتبعها جميع رؤساء أمريكا بشكل عام، لكنها أصبحت أكثر خطورة بعد تفرّد واشنطن بالهيمنة على نظام العلاقات الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لا سيّما وهي تزعم الآن أن مسؤوليتها في قيادة العالم تتجلّى بمكافحة الإرهاب والعنف والتطرّف، الأمر الذي يجعل شخصية مثل ترامب تجاهر بعدائيتها وكراهيتها للعالم. والسؤال: هل يمكن مكافحة التطرّف والتعصّب والعنف والإرهاب، بمثله؟ ترامب يجيب على ذلك بنعم، ولا يتورّع أن يدعو له علناً، بحيث يريد توظيف كل قدرات الولايات المتحدة لذلك.
ويدرك ترامب أن تصريحاته على ما فيها من فجاجة وضحالة، إنما تتناغم مع سايكولوجية شرائح غير قليلة من المجتمع الأمريكي، ولذلك فهو يضرب عصفورين بحجر واحد، الأول – كدعاية انتخابية، والثاني – كتعبير عن فكر عنصري متطرّف، وهو الأمر الذي قد يقوده إلى سدّة الرئاسة، خصوصاً إذا استغلّ خلال الشهرين والنيّف المقبلين بعض أخطاء هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية فضلاً عن فضائح الـ15 ألف رسالة ألكترونية المختفية حتى الآن، والتي استخدمتها عندما كانت وزيرة للخارجية في حكومة الرئيس أوباما خلال ولايته الأولى.
إن استمرار ظواهر الإرهاب والعنف على المستوى العالمي وتنامي الجماعات الإرهابية، يجعل مخاطبة المزاج العام الأمريكي مسألة مؤثرة في الدعاية الانتخابية، وهو ما يحاول ترامب العزف عليه، فهل يعقل بعد إعلان ثلاث رؤساء هم كلينتون وبوش الابن وأوباما: أن حلّ الدولتين هو الأفضل للنزاع العربي – الإسرائيلي، حتى وإن كانت النبرة خافتة، أن يأتي مرشّح للرئاسة ليعلن أن سفارة بلاده ستكون في القدس، وهو الإجراء الذي أعلن عنه قبل عدّة سنوات، ولقي ردود فعل عالمية كثيرة، لأن القدس حسب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 467 والصادر في 30 يونيو (حزيران) العام 1980، قرر بطلان ضم القدس وعدم شرعيته، كما أن قواعد القانون الدولي لا تجيز ضم الأراضي بالقوة أو إحراز أي مكاسب سياسية بسبب الحرب.
هل يعقل أن يقول “مرشح للرئاسة” لأكبر دولة في العالم، “إنه سيمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة” (أي يمنع مليار وأكثر من 500 مليون إنسان)، وهم يشكّلون قوام سكان أكثر من 57 بلداً، ومعهم مسلمون من دول أخرى يحتلون فيها نسبة وازنة؟ وهل يصدّق حين يدعو إلى بناء جدار عازل مع المكسيك، في الوقت الذي تتألف الولايات المتحدة من إثنيات ولغات وشعوب متعدّدة ومختلفة؟
إذا كان البعض لا يتصوّر صعود ترامب إلى دست الرئاسة، فإن كاتباً مثل جوناثان فريدلاند يكتب في صحيفة “الغارديان” مقالة بعنوان “مرحباً بكم في عصر ترامب”، وحتى لو كان الأمر من باب الإثارة أو الاستفزاز، فإن الترامبية لديها جذور في المجتمع الأمريكي، سواء فاز ترامب أو لم يفزْ.

(الخليج)

السابق
مؤسسة المياه: لتسديد البدلات في مهلة اقصاها 30 الحالي
التالي
الطقس غدا غائم جزئيا مع انخفاض بالحرارة وأمطار متفرقة