لماذا فشل الحوارات.. فرصة لرؤية الحقيقة

هل انتهت الصحوة الاسلامية بعد فشل مشاريع الوحدة وحلول عهد الحروب والفتن بين المسلمين؟ وهل فشلت الحوارات بين مختلف المذاهب الاسلامية، وقبلها بين المسلمين والمسيحيين فأدّت لما أدّت اليه؟ العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين يجيب عن تلك الأسئلة بما يفي الغرض، ويشرح ما آلت اليه الصحوة الاسلامية.

يجيب السيّد الأمين ويطرح أسئلة بدوره فيقول انه “في جواب عن السؤال الأول المطروح بصورة يليها الكثير من علامات التعجب والاستفهام والذي يقول كيف ولماذا انتهت الصحوة الاسلامية في محطاتها العديدة، وفي محطة أساسية من محطاتها وهي محطة الثورة الخمينية أو الإسلامية في إيران إلى ما انتهت إليه عبر المشهد الذي نعيشه راهناً حيث تبدو الأمور في علاقات المسلمين بعضهم بالبعض الآخر أسوء بكثير مما كانت عليه قبل هذه الصحوة، ألم تكن بدايات هذه الصحوة وأهمها محطة الثورة الإسلامية في إيران مصدراً لتفاؤل عظيم في قيام نهضة إسلامية جديدة قد لا تؤدي إلى وحدة المسلمين أو استعادة كيانهم السياسي الموحد؟”

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: بعض المسلمين يعانون من فصام في بلاد الغرب

وللإجابة عن هذا السؤال يرى السيّد الأمين أنه “في مواجهة هذه الرؤية التي تضمنتها الأسئلة الآنفة، فإنني أريد أن أسجّل وبصورة مبدئية أن التاريخ ومآلاته المستقبلية لا يمكن أن تكون بالضرورة نتيجة أو صورة حيّة عن طموحات وأشكال التفاؤل التي تتوخاه بعض المجتمعات انطلاقاً من حدث معيّن حتى عندما يكون هذا الحدث في ذاته حدثاً إيجابياً، فإن النتائج التي ينتهي إليها ليست بالضرورة نتيجة منطقية للصورة المنتزعة من أذهان المتعاطفين مع هذا الحدث، وإذا أردت أن أوضح أكثر، فإنني أرى أن الأخطاء لا تنتج عن سيرة التاريخ، ولكنها كانت تكمن أساساً في العقل الإسلامي الذي كان أسيراً لرؤية أساسية ووحيدة يشترك فيها العقل الإسلامي في كل المذاهب وهو أن الإسلام أصبح مغيَّبا عن المجال السياسي الذي تلا تفكك ما يسمى بالأمبراطورية الإسلامية، وأن الوسيلة الوحيدة للنهوض الإسلامي يرتكز في هذا الفعل على ضرورة استعادة الخلافة كما هو الشأن في التفكير الإسلامي السني، أو استعادة الإمامة كما هو في التفكير الشيعي، وكلاهما يصب في مجرى واحد”.

و”أتابع لأقول أنني أختلف مع هذه الرؤية ولا أنفي عنها صفة المصداقية والغيرة، ولكن أنفي عنها البعد المتعلق في قدرة العقل الإسلامي التي عجزت عن إدراك التطور التاريخي والكبير والذي يفترض أن يصار إلى تأسيس النهضة الإسلامية، على قاعدة ما أسميه بالتجدّد الحضاري والذي لا يفترض بالضرورة التغيير القهري للبنى السياسية المتعددة في الاجتماع الإسلامي”.

وعن التغيرات التي اصابت البنى الفكرية والاقتصادية في العالم وارتداها على عالمنا الاسلامي يؤكد السيد الأمين “إن إسلام القرون الماضية ربما كان بحاجة إلى الصيغة التي كان عليها الاجتماع الإسلامي في ظل كيان سياسي موحّد، ولكن في عصرنا الرّاهن، فإن هذا يبدو أمراً شبه مستحيل فيما تبدو الفرص الأخرى للتطوّر ممكنة عندما تقوم فكرة التقارب الإسلامي على قاعدة جديدة تحكمها بالإضافة إلى الاعتبارات الثقافية والدينية، تحكمها اعتبارات المصالح الاقتصادية بدرجة أساسية. فالسعي مثلاً إلى التطور الاقتصادي والصناعي والتنموي هو عامل مؤثر ودافع باتجاه التقارب بين الشعوب الإسلامية ودولها، ونحن نرى كما هو الواقع الراهن في عالمنا، أن كتلة بشرية بحجم المسلمين لو استطاعت أن تتجه نحو الدعوة إلى استراتيجية التكامل الاقتصادي والتركيز على التطورات العملية في هذا المجال، فإن هذا سيشكل بالتأكيد عنصراً أكثر واقعية ف تحقيق التقارب والتفاعل بين الدول التي تنتمي شعوبها إلى الإسلام”.

الحوار الاسلامي الاسلامي

ويستطرد السيد الأمين للإستدلال على صحة هذه الرؤية فيقول “إننا لو راجعنا أدبيات الحركة الإسلامية منذ القرن التاسع عشر وصولاً إلى انفجار هذه الصحوة على يد الإخوان المسلمين مثلاً، وعلى يد الثورة الإسلامية في إيران، لوجدنا أن أدبيات هذه الصحوة بأكثريتها الساحقة كانت مكرّسة للرؤية المثالية التي تعتبر أن يقظة الروح الدينية في العالم الإسلامي وحدها كافية لكي تحدث النهضة المنشودة، ولم تتضمن هذه الأدبيات أي رؤية استراتيجية بل وتكتيكية لسبل والتقدم والنهضة وإبداع الوسائل العلمية في تحقيق هدف امتلاك تلك الوسائل لتحقيق التقدم والادعاء المتفشية في الاجتماع الإسلامي، وبدلاً بذلك أخذت تؤكد على الالتزام الديني الذي بدا انه بمفرده أي بدون ارتباط بمشروع نهضوي شامل علمي وسياسي، في غياب الوعي الكامل بسبب غياب الاستراتيجية التي أشرنا إليها، فصار تشدد الفرد دينياً مستلزماً بكل أسف للتشدّد المذهبي حيث بدا لهؤلاء المتشددين دينياً، أن الذهاب نحو الإسلام الحقيقي لا يكون إلا عن طريق المذاهب التي ينتمون إليها”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: قادرون على صنع حداثتنا الخاصّة

ويخلص السيد الأمين الى “إن الحوارات القائمة بين المذاهب الإسلامية هي حوارات نظرية ومثالية وأصبحت قديمة لا تفي بالحاجة، والحوار الديني اللاهوتي لم تنتج متغيرات فعلية إذ يجب أن يسبقه الحوار السياسي، فتصبح إمكانية الحوار اللاهوتي أسهل، بسبب إنتاج روابط واقعية أكثر، لأن اتباع هذه العقيدة والمذهب يرون ما ينتمون اليه هو الصحيح والسراط المستقيم، والنقطة الحيوية لنجاح أي شكل من أشكال الحوار حول الوحدة هو التقاء المصالح.

 

السابق
«فادي العبدالله» وديوان شعره عن الحب والألم
التالي
اطلاق نار وتضارب في العبودية