السيد محمد حسن الامين: موجة الابتعاد عن الدين سببها التطرّف الإسلامي

بدأت تتصاعد في المدة الأخيرة شكوى في المجتمعات العربية المسلمة ونسمعها نحن من لبنانيين وعراقيين، مفادها ان الاجيال الصاعدة تبتعد عن الدين، وكذلك فقد قلّ اهتمام الاهل في ان ينشئوا أبناءهم على منهاج الدين الحنيف كما كان في السابق، واصبح جل اهتمامهم ان يتعلم الاولاد العلوم العصرية، مفضلين ابتعادهم عن الاجواء الدينية كي لا ينخرطوا في اجواء التعصب السائدة في أيامنا.

يناقش المفكر الاسلامي العلامة السيد محمد حسن الامين هذه الظاهرة المستجدة فيقول: “تفسيرنا لهذه الظاهرة، نودّ أن نقول أن ظاهرة البعد عن الدين هي من المظاهر التي سبّبتها فترة من فترات الصحوة الدينية وما يغلب عليها أحياناً من الغلوّ، كنت أتوقّع أن تنتهي هذه المرحلة لدى عدد كبير من الأفراد والجماعات إلى ردّات فعل سلبية تجاه الدين ككل، بسبب الظاهرات التي كانت تتجلى بصورة سلبية في النظر إلى الدين وفي ممارسة يشوبها في كثير من الأحيان التملّق وادعاء التديّن عدا بروز فئة كبيرة مترفة تدعي التديّن نفاقا ولكنها تمارس وتفكّر دون قناعة حقيقية بما تقوله وتفعله”.

ويوضح السيد الأمين: “قلت إنني كنت أتوقع صورة من صور الانقلاب على هذا المظهر الديني للسبب الذي ذكرته، ولكنني كنت أتوقع هذا الانقلاب أكثر من خلال رؤيتي وتحليلي للشعارات التي كانت تنطلق من جماعات الصحوة الدينية خاصة تلك التي توحي بأنّ الدين أو الإسلام بالذات هو الحلّ لمشكلاتنا الحضارية والاجتماعية والعلمية، على نحو يوحي لبسطاء متديّنين أن الإسلام هو عصا سحرية إذا تمّ اعتناقه وإعلانه فهو الجديد بإحداث الانقلاب المنشود في واقعنا والحضاري بصورة عامة. وقد شاء هذا الاعتقاد ليس عن طريق السذاجة والفهم القاصر للإسلام ومقاصده وشريعته وإنما جاء بصورة أساسية وعنيفة ردّاً على الفشل المريع الذي منيت فيه الحركات القومية اليسارية والليبرالية في عالمنا العربي والإسلامي وكان ذلك مراعاتة لشعور الإحباط والانكسار الديني،فالدولة شكل من أشكال الخلاص الذي تتطلع إليه الإمّة”.

ولكن اين هو الخطأ الذي وقع فيه رواد الصحوة الاسلامية؟ يجيب السيد الأمين: “ان مهمة التجديد الحضاري للعالم الإسلامي كدين، لا يمكن أن تتحقق دون أن يكون لدعاة الدولة الإسلامية ووحدة الأمة الإسلامية برامج علمية وفقهية، وعلى الأخص رؤية مستقبلية قادرة على بحث أسباب التخلّف الذي أصاب المسلمين، وفي الوقت نفسه البحث الجدي والعلمي عن أسس حقيقية ومتينة لاجتراح عملية التغيير، فنحن لا نجد في برامج الأحزاب الإسلامية وحتى أقدم هذه الأحزاب، والتي تعتبر هي المنشأ الأول لبروز التنظيمات الإسلامية وأعني بهم الإخوان المسلمين، لم نجد لديهم أكثر من الشعارات التي ذكرناها، والتي تؤكد على أن الإسلام هو الحل دون أن تقدم برنامجاً علمياً وسياسياً واضحاً، يتبين كيف يمكن أن يكون الإٍسلام هو الحلّ. لذا، فإن التجارب التي أتاحت لبعض الحركات الإسلامية أن تمسك بالسلطة جزئياً أو كلياً، جاءت تجارب فاشلة وأثبتت أن الإسلاميين كغيرهم من أصحاب الأيديولوجيات الأخرى شعاراتهم تقدم الوعود ولا تملك البارمج لتنفيذها، مما عزز في أذهان بعض النخب والشباب فكرة أن الإسلام لا يتضمن بالضرورة حلولاً جاهزة للمشكلات المعاشة في العالم الإسلامي ورأوا في أحسن الأحوال أنّ الإسلام هو دين أي علاقة بين الله والإنسان ليس من شأنها أن تحدث التغيير المنشود ومن هؤلاء من هم مؤمنون بالله بالإسلام، ولكنهم أصبحوا أكثر وعياً بأن عملية التغيير لا تحصل تلقائياً وبمجرد تطبيق بعض الأحكام الدينية، بل آمنوا ومن داخل الأدبيات الإسلامية نفسها، “أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

وبالنتيجة كما يقول السيد الأمين ويشرح انه: ” تحت وطأة الأزمات والحروب وظاهرة العنف غير المسبوقة التي تمارسها بعض الحركات الإسلامية، أصبحت النظرة إلى المنهج الإسلامي من قبل هذا الجيل اكثر سواداً، وأكثر مدعاة إلى إعادة النظر في العلاقة بالدين نفسه بحيث أصبحت هذه العلاقة أكثر تطرفاً وربما ترى من بعض هؤلاء نزعة عدوانية تجاه الدين نفسه. ومن وجهة نظرنا فإن المهمة الحقيقية الجوهورية لنصرة الإسلام هو الانخراط في عملية الإصلاح الديني، وفي استبعاد عناصر الدعوة إلى النطق بإسم الدين من قبل أي كان حتى من قبل علماء الدين أنفسهم وإتاحة أوسع دائرة من دوائر الحرية للمساهمة في عملية إصلاح الفكر الديني الذين لا يمكن أن يكون مهمة مقتصرة لا على رجال الدين وحدهم ولا على مفكري الحركات الإٍسلامية أنفسهم”.

ويخلص السيد محمد حسن الأمين للقول انه “لا بدّ من الاصلاح الديني، ومن العناصر التي تتضمنها مهمة الإصلاح الديني هو العودة إلى الأصول والينابيع الدينية وتحريرها من العناصر التي علقت بها في عصور متعددة، وجعلت من الدين عقيدة جامدة ومن أحكام الإسلام التي استنبطها الفقهاء عبر تراثنا الإسلامي أمراً مقدساً سواء على مستوى العقيدة أم على مستوى الأحكام الشرعية، وهذا يتطلب فتح الباب لأوسع نطاق من الباحثين والمفكرين والمثقفين لإعادة قراءة الإسلام وتاريخه والقيم والمفاهيم التي تم إدخالها في الإسلام بدوافع طائفية ومذهبية وسياسية وغير ذلك من الدوافع البشرية.أي تحرير الإسلام مما أصاب المسيحية في القرون الوسطى وما قبلها من جعل الكنيسة هي الناطقة بإسم الحق الإلهي على الأرض، فلا يجوز أن يصاب الإسلام بمثل هذه الثغرة النوعية فيكون هناك طبقة من الناس ينطقون بإسم الله على الأرض، بل لا بد من عمل انقلابي كبير ينتهي أن لا يعود هناك ‘طبقة رجال دين’ لدى المسلمين، فلا كهنوت في الإسلام، كل ما في الأمر أن هناك علماء متخصصين بالعلوم الإسلامية وهذا لا يمنحهم أي حق في التسلط على الحريات العامة للمسلمين”.

ويختم السيد الامين بقوله: “ان أيّة طبقة في المجتمع، وحتى لو كانت من رجال الدين سيكون لها امتيازات ومصالح تتخطى القيم الدينية لاحقاً، لذلك نرى ان البعض من هؤلاء يتجاوز أحكام الدين بحجة المصلحة العامة، ولكنها في الحقيقة تكون مشوبة بمصالح خاصة للطبقة نفسها”.

السابق
من روائع غازي قهوجي: المرأة والآخر…
التالي
كنعان: نحترم موقف ‘القوات’ من الحوار