عقدة الأقليات في إيران(2): بين اضطهاد البهائيين والخوف من الكرد

الاكراد في ايران
يظهر في القسم الثاني والأخير من التقرير فشل مزدوج لسياسة احتواء الاقليات في ايران كما تقول الكاتبة بادية فحص، فلم تنجح في فرسنة الأقليات، كما لم تنجح أيضا في الاعتراف بخصوصياتها.

العقدة اتجاه الكرد، ثقافية وجغرافية ودينية في آن معا، معظم الميثولوجيا والملاحم والبطولات الإيرانية هي كردية بالأصل، ابتداء من حكاية كاوه والنوروز إلى أبسط الحكايا الشعبية التراثية، الموسيقى الفارسية مطعمة بشكل كثيف بالإيقاعات الكردية، كذلك آلات العزف التي اشتهرت بها إيران مثل: سه تار أو الرق، أول من استعملها هم الكرد، كذلك خطوات الرقص الشعبي. العقد الجغرافية سببها إصرار كرد إيران على الانفصال شأنهم شأن إخوانهم في القومية الكردية، الذين يسعون إلى تحقيق الحلم الكردي بإقامة وطنهم المستقل، الموزع ما بين إيران والعراق وتركيا وسوريا، العقدة الأخيرة، هي الدينية، فأغلب الكرد الإيرانيين كما هو معروف، هم من المسلمين السنة، وهم أقلية في إيران، إلا أنهم أكثرية عامة في المنطقة.

اقرأ أيضاً: عقدة الأقليات في إيران: عرقية لا دينية ( 1)

بين الفرس والبلوش، شيء أكثر من عقدة، ربما ما بينهما حكاية ثأر لا تنتهي، تخبو أحيانا، ثم تعود وتشتعل حسب تطوارت المنطقة سياسيا وأمنيا. فالبلوش رغم أنهم أقلية صغيرة جدا عدديا بالنسبة إلى القومية الفارسية، وحتى القوميات الأخرى، إلا أن صوتهم عال جدا. يتميز البلوش وهم من أهل السنة، بعنادهم وصلابتهم، وكذلك تعصبهم لمذهبهم، وهم معروفون بتدينهم وتعظيمهم لأئمتهم (مشايخهم). ويكادون يكونون الوجه الآخر للفرس، انطلاقا من هذه الصفات، لذلك فالتوتر الدائم بينهما سببه تشابه الطباع. لم يتقبل البلوشي تحكم الفارسي به منذ نشأت إيران، ولم يعترف الفارسي حتى الآن، أن للبلوشي حقوقه الإنسانية والوطنية والاجتماعية.

يقطن البلوش في أكثر المناطق إثارة للرعب والقلق في إيران، على خط أطول حدود تتشارك فيها إيران مع أفغانستان وباكستان، وهي نسخة طبق الأصل عن المناطق الحدودية لهاتين الدولتين: فقر وحرمان وتهميش على مختلف الأصعدة، وانعدام أمن وأمان، كون هذه المنطقة، تعد أحد أكبر بؤر التهريب (مخدرات، سلاح وبضائع) في العالم، من هذه المنطقة ومن رحم الأقلية البلوشية خرج تنظيم “جند الله” الإسلامي المتشدد، وقائده عبد المالك ريغي، الذي تم تسلميه لإيران بصفقة مشبوهة، ثم أعدم لاحقا.

الاكراد

لا تشكل الأقلية التركمانية قلقا للقومية الفارسية، فهذه الأقلية بعيدة جدا عن مناطق المركزية السياسية، وفي الوقت ذاته ليست تركمنستان دولة بذات أهمية بالنسبة إلى إيران، كما أن التركمان كما يطلق عليهم الإيرانيون “رعاة، وسكان صحارى، ينتقلون بين شعاب الجبال كالماعز”، لهم تقاليدهم الخاصة، وعاداتهم ولغتهم، وهم مهمشون إلى حد النسيان، كذلك قبائل “اللر” في محافظة لرستان، الذين تتعامل معهم القومية الفارسية بكثير من الفوقية والاستخفاف، فلا تكاد نكتة شعبية تطلق على شخص بسيط أو أبله أو مغفل أو أحمق إلا وتلصق بأبناء هذه القومية، الجيلاك وهم بالأصل من الفرس، أقلية هادئة أيضا، تعيش في محافظة “مازندران” أجمل مناطق إيران على الإطلاق، وتلاحق سكان أحد مدنها “رشت” الشائعة نفسها التي تلاحق قبائل اللر.

على الصعيد الديني، لا يشكل أي دين أو مذهب أي عقدة تذكر بالنسبة للإيراني الفارسي الاثني عشري، ما عدا البهائي والمسلم السني، فالطائفة اليهودية ممثلة بنواب في البرلمان الإيراني، واليهود يمارسون شعائرهم الدينية بكثير من الحرية، إلا أنهم كبقية الأقليات ممنوعون من حق التعليم بلغتهم الخاصة (العبرية)، أما المسيحيون وجلهم من الأرمن الأرثوذكس، فهم مدللون في الجمهورية الإسلامية، يملكون حرية بناء كنائسهم وإقامة صلواتهم، وشعائرهم الدينية وأعيادهم ومناسباتهم الدينية كذلك، وهم ممثلون أيضا في البرلمان، الزرادشتيون، مسالمون، لا يزعجون أحدا ولا أحد يزعجهم، وهم طائفة محافظة اجتماعيا، ما زال تأثير هذه الديانة رغم انكفائها، ظاهرا في الحياة اليومية للفرد الإيراني، وما زال الإيراني يحيي العادات المأخوذة عنها، رغم توجه الدولة الجديدة نحو أسلمة المظاهر الاجتماعية.

لكن لا ينطبق ما سلف على أهل السنة وأتباع الديانة البهائية، فالأخيرة محظورة في الجمهورية الإسلامية، كما كانت أيام الحكم البهلوي، ومن يضبط متلبسا بها مصيره الإعدام، لذلك تكاد تخلو إيران من البهائيين الذين فضلوا اللجوء إلى دول أخرى على ترك ديانتهم، أما أتباع المذهب السني، فرغم أن مذهبهم هو الجناح الآخر للديانة الإسلامية، إلا أنهم يعانون الاضطهاد والظلم والقمع، وهم متهمون بشكل دائم بالخيانة والعمالة للخارج، خصوصا للمملكة العربية السعودية، وأي مطالبة، حتى لو كانت على صعيد تنموي أو اقتصادي لمناطقهم، تقابل بالتخوين وحملات الاعتقال وصولا إلى الإعدام، السنة في طهران مثلا، ممنوعون من إقامة صلاة الجمعة، على كامل الأراضي الإيرانية، ولا يمكنهم إحياء شعائرهم بشكل علني، ولا تسمح لهم السلطات الأمنية بإقامة التجمعات في المناسبات الدينية الخاصة، خوفا من تحولها إلى “أعمال إرهابية”، واللافت أن الجمهورية الإسلامية تعتبر يوم مقتل الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب عيدا وطنيا، تتعطل فيه المؤسسات والإدارات ويسمى “عيد البقر”، أي يوم بقر ابو لؤلؤة بطن الخليفة بالسيف.

اقرأ أيضاً: خفايا حياة خامنئي (2): فريق حمايته وأسفاره وتجاراته

رغم كل جهودها، لم تنجح إيران الحالية ولا التي سبقتها، في فرسنة الأقليات، لم تنجح أيضا في الاعتراف بخصوصياتها، لذلك هي دولة فاشلة مرتين، وينسحب فشلها “المزدوج” على المنطقة كلها، وليتها تكف عن المكابرة وتنصرف إلى ترتيب مشاكلها الأقلوية في الداخل، بدل التلهي بحماية الأقليات في الخارج، عل المنطقة تصبح مكانا صالحا للعيش.

السابق
أحمد اسماعيل لرئيس بلدية زوطر: نختلف و نتفق لكن لا نقبل التهديد
التالي
لبنانية محجبة في ادارة حملة كلينتون…من هي؟