فارس والفرس

منذ فجر التاريخ، الفرس والعرب جاران يتناحران. قبل الإسلام وبعده، كان بعض العرب يستنجد بجاره البيزنطي ضد البعض الآخر الحليف لفارس الذي يستنجد بدوره بفارس ضد المستنجد ببيزنطه. القاسم المشترك بينهما هو العقلية القبلية المستفحلة بين العرب.

الآخرون يسرهم نجدة هذا ضد ذاك وذاك ضد هذا، لا حبا لا بهذا ولا بذاك، بل لخدمة مصالحهم.
ما زال الإنقسام بين مسلمي العرب اليوم يتخذ صفة مذهبية، سنة وشيعة، ولم يتغير شيء في طريقة تعاملهم مع بعضهم البعض من منطلق التباغض القبلي.

اقرأ أيضاً: في العلاقات السنية – الشيعية: بين الخلافات التاريخية والعقائدية والمصالح السياسية الانية

نظرت فارس بعد هزيمتها التاريخية في موقعة القادسية وإخضاعها من قبل الحكام العرب في كيفية التعويض عن الهزيمة، فتشيعت لا حبا بالحسين بل خبثا منها لاستخدام التشيع كإسفين تفرقة وكوسيلة للتدخل بين قبائل الشعب الواحد.
شعوبية بني فارس معروفة عبر تاريخ الخلافة، كذلك ازدراؤهم للعرب كجنس. كيف لا وهم، الفرس، شعب حضارة بينما العرب شعب بداوة.
عرفت في تجربتي الشخصية طبيبا إيرانيا نطاسيا إسمه “ع”. تفوق “ع” على أساتذته في الجامعات. وكنت أسكنته في بيتي لبعض الوقت أثناء دراسته. جاءني يوما في آب 1988 بعد قبول الخميني “شرب كأس السم” ووقف إطلاق النار مع العراق انصياعا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 598. إحتج “ع” لدي على تصرف الخميني قائلا إنه “كان ينبغي على الخميني الإستمرار بالحرب حتى يدمر العراق ويصل الجيش الإيراني إلى بغداد”. قلت له “أليس من الأفضل حقن الدماء وإيجاد سبل أخرى لحل النزاعات الحدودية بين البلدين بالطرق السلمية” فما كان منه إلا أن هاجمني بعنف لم أعرف له مثيلا، قائلا بالحرف الواحد: “لا تتدخل بيني وبين الخميني وتعتقد أني أكرهه بسبب قبوله وقف إطلاق النار، فهو إيراني مثلي، أما أنت فعربي وقد قال لي أبي إذا استطعت يوما أن تقتل عربيا فافعل واشرب دمه”.

كان “صديقي” يزعم أن والده قطب من أقطاب طريقة صوفية! لم تكن بدرت منه نحوي أية إساءة قبل ذلك، فتعجبت من أين أتت تلك العدوانية نحو شخصي “الكريم”!

اقرأ أيضاً: في انتحار السنّة والشيعة…

في تجربة أخرى، كانت سيدة إيرانية تتعقبني وتحضر المناسبات التي كنت أتحدث فيها عن القضية الفلسطينية وعدالتها أمام جمهور بريطاني/أممي. لكن السيدة الطيبة الذكر كانت تحاول أثناء حصة الأسئلة التي تعقب الكلمات السيطرة على الجو فتلقي محاضرات مطولة فحواها أن العرب يستحقون ما يلحق بهم من أذى لأنهم أغبياء. كانت مداخلاتها العنصرية المليئة بالمزايدات على أهل الصبي محرجة أمام الجمهور الذي “ما بيفهمش حاجة عن الجاري، ما يصحش كدا” حسب تعبير صديق مصري.

السنة الشيعة

كنت دائما أعطيها فرصة للتعبير عما في داخلها كي يتم امتصاص حنقها الأهوج. استراتيجيتي فشلت، إذ كثيرا ما كانت تعترضني على رصيف شوارع الغرباء، حتى بعد أشهر وسنوات من المناسبات، وتصرخ في وجهي بأعلى صوتها الجهوري الخشن. كان المارة يتوقفون وينظرون إليها ويواصلون سيرهم، يهزون رؤوسهم وتعابير القلق والسخرية تعلو وجوههم.
وكان لي أيضا صديق إيراني أعطيته لقب “وزير”. كان “الوزير” داهية خبيثا دمثا يحفظ المعلقات العربية والقرءان والحديث عن ظهر قلب ويجيد العربية بلكنة إيرانية مدائحية. كان يحلو لي الحديث معه ومجالسته، ولكن كانت تصلني تقارير موثوقة عما كان يقول وراء ظهري، ومع ذلك كنت ألقاه بنفس الإبتسامة والحفاوة كي لا أخسر طرافته و”صداقته”. سألته يوما ممازحا عن معنى “مداهنة” بالعربية فقال مبتسما المداهنة هي أن تدهن أنت والآخر بعضكما بعضا بأطيب العطور وجها لوجه وإن كنتما لا تجدان جميلا يقال بحق بعضكما البعض خلف الظهور. فقلت له: ” أجاد الوزير!”. لا أعرف ليومي هذا ولن أعرف يوما هل هو حدس سبب سؤالي له. أرجح أن يكون قد انتبه ولكن لم يكن لأي منا مصلحة في قطع مجالس المشاعرة والمسامرة بيننا.
وكان لي أيضا أصدقاء إيرانيون مثقفون ويساريون ذوو أخلاق أممية رفيعة أعتز بصداقتهم، ولكنهم كانوا قلة قليلة.
شخصيا أحب حضارة الفرس، موسيقاهم وشعراءهم وإتقانهم الصناعة، ولكني بصراحة وبدون تعميم لا أحب نظرتهم الدونية العنصرية.

اقرأ أيضاً: «السعودية» تعلن رسمياً وقف المساعدات العسكرية و«إيران» تبادر

على العرب الإنتباه وتوحيد الصف بدلا من السماح لغيرهم بشق صفوفهم من منطلق ديني ومذهبي، للوصول إلى مآربهم لأن الدين سلاح خطير في أيدي الجهلة وأخطر من خطير في أيدي ذوي المآرب. أقول ذلك مع العلم أني لست عروبيا ولا إسلامويا بل علماني أممي كنت ولا أزال وسأبقى.

السابق
صحيفة ورقية جديدة لأول مرة منذ 30 عاما في بريطانيا
التالي
دولة اللادولة