السلّة المتكاملة: «الطائف» الشيعي

يسود اعتقادٌ داخلي أن حلاًّ للأزمة اللبنانية يُطبخ على نار الحروب الإقليمية ونتائجها، أو هذا على الأقل ما أوحى به كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وانفتاحه على الرئيس سعد الحريري، وما سبقه وتبعه من كلام للرئيس نبيه بري عن التسوية ووقوفه إلى جانب الحريري “ظالما كان أمْ مظلوماً”.

نقاش الصالونات السياسية وما يتسرّب منها إلى العلن عن هذا الحل يأخذ طابع “السلة المتكاملة”، في عودة إلى التعبير الذي ارتفعت أسهمه في مرحلة سابقة غير بعيدة، وهو ما يصفه مطّلعون على اجواء الحوار والحراك الداخلي بـ”التكتيك الجديد” الذي يتّبعه حزب الله، يستبدل من خلاله المطالبة بـ”المؤتمر التأسيسي” وما أحدثه هذا العنوان من “نقزة” لدى كثير من الاطراف، بحديث ملطّف عن تسوية و”سلة متكاملة”، تكرّس صعود “الشيعية السياسية” في النظام اللبناني، ويصبح اتفاق الطائف فيها مجرد “ديكور” فارغ من مضمونه.

لم يكن لكلام نصرالله- بري وقع المفاجأة داخل “بيت الوسط”، في مرحلة يبدو جلياً لـ”المستقبل” أن خطابات الثنائية الشيعية “الودودة” تتجاوز حرصها على الاعتدال السني المتمثّل بـ”الحريرية السياسية”، إلى محاولة لاستدراج الحريري إلى استكمال مسلسل تقديم التنازل تلو الآخر، ولكن هذه المرة على صعيد إعادة صوغ شكل الحكم.

اقرأ أيضأً : «حزب الله» وزعماء السنّة وسياسيّوهم!

مبعث هذا الاعتقاد أن وصول عون إلى بعبدا، لو كان فعلاً أولوية لحزب الله، لكان حُسم أمره داخل 8 آذار وانتهى الأمر سريعاً. وإلا، فلماذا يضغط حزب الله على الحريري لانتخاب عون، بينما يستطيع الحزب تأمين الأكثرية لعون عبر الضغط على الرئيس بري، خصوصاً أن الحريري مستعد دائماً لتأمين نصاب جلسة انتخاب الرئيس؟ إذاً، فالقصة، برأي “المستقبل”، ليست بانتخاب عون رئيساً، بل بما بعد انتخاب عون، إي بإدخال الحريري في تسوية سياسية يكون شاهداً فيها على تسليم البلد إلى “الثنائية الشيعية” دستورياً، بعدما تسلمتها لسنوات طويلة بقوة الأمر الواقع، وذلك في مقابل تأمين حصة في الحكم لـ”الحريرية السياسية”!

يعود عدد من المراقبين إلى مرحلة ما قبل عودة الرئيس الحريري إلى لبنان في 14 شباط 2016، لاستشراف مضمون “السلة المتكاملة” التي يُحكى عنها. يومها، رفض حزب الله على لسان رئيس تكتله النيابي محمد رعد عودة الحريري إلى البلد، متحدّثاً عن “مواطنين لبنانيين غير مرحب بعودتهم”! في اليوم التالي، أفصح حزب الله، عبر قنواته ووسطائه وكتابه ومحلّليه، عن الشروط المطلوب من الحريري تنفيذها إذا أراد العودة إلى لبنان والسلطة. قالت أوساط حزب الله يومها “إن عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة ممكنة إذا توافرت سلة اتفاق متكاملة، تنسجم مع المتغيرات السياسية والعسكرية في المنطقة. وهذا لن يتم دون إعادة إنتاج نمط جديد يحكم السياسة اللبنانية من خلال قانون انتخاب عادل يتناغم ويحاكي الواقع. هذا إضافة إلى إعادة صوغ الحكم بما أن الطائف أقرّ صلاحيات كبيرة لرئيس الحكومة، كما يجب إلغاء فعالية الصنادق والمجالس مثل مجلس الإنماء والإعمار (الذي كان “دينامو” إعادة الإعمار)، والهيئة العليا للاغاثة (التي مولت المحكمة الدولية)!”.

فعلياً، يسعى حزب الله إلى تفريغ الطائف من محتواه عبر ضرب الأسس التي قامت عليها التسوية تحت عنوان “السلة التكاملة”، مقابل الموافقة على عودة الحريري إلى السلطة، على أن يكون، بحسب المصادر “وائل الحلقي اللبناني”.

هذا ما عمل عليه حزب الله منذ العام 2005. فالطائف أعطى صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة، لم يبقَ منها إلا الصناديق والهيئات التابعة لها. صلاحية الدعوة لجلسات الحكومة ووضع جدول أعمالها والنطق باسمها، كلها صلاحيات تعطّلت واقعياً بفعل قوى الأمر الواقع التي لا تسمح بممارستها.

وما يسعى إليه حزب الله أيضاً، هو تغيير صيغة الحكم، لكن دون المساس بعنوان “الطائف”. يكفي، وفق مصادر “المستقبل”، أن يطالب حزب الله بالقانون النسبي ليقلب التركيبة الدقيقة للسلطة، من خلال تكبير حصة الشيعة على حساب السنّة. وإن كانت النسبية مطلباً عادلاً. إلا أن مصادر “المستقبل” لا ترى امكانية لتطبيقها بشكل عادل في ظل وجود السلاح بيد حزب الله. سائلة: يستطيع أي سني معارض أن يخوض معركة انتخابية ديموقراطية في مناطق نفوذ المستقبل، لكن هل يستطيع الوزير محمد عبدالحميد بيضون (على سبيل المثال) خوض معركة انتخابية في الجنوب؟

الحديث عن تفريغ الطائف من مضمونه ومحاولات تغيير صيغة الحكم لا يكتمل من دون التطرق إلى الغطاء المسيحي الذي حظي به حزب الله لتحقيق مشروعه. وبرأي مصادر “بيت الوسط”، فإن النائب ميشال عون الذي خاض معاركه السياسية باسم “حقوق المسيحيين”، لم يرَ مشكلة في التنازل عن الأسس والثوابت التي تحفظ الوجود المسيحي في التركيبة اللبنانية منذ أكثر من نصف قرن، فتنازل عمّا لم يجرؤ مسيحي من قبله على التنازل عنه في سبيل الوصول إلى الرئاسة. نادى بانتخاب الرئيس الماروني من الشعب، أي من الأكثرية العددية المسلمة، لا لشي إلا لأنه يستقوي بأعداد جمهور حزب الله. أعطى الطوائف المسلمة حق “الفيتو” على انتخاب أي ماروني لا يعجبها لرئاسة الجمهورية، من خلال بدعة تعطيل نصاب الانتخاب من قبل أي طائفة تجد أنها لا تستطيع إيصال رئيس ماروني على هواها. فضّل شغور الرئاسة المسيحية الوحيدة في الشرق مرتين على أن يتبوأها غيره، فقط ﻷنه يستقوي بحزب الله.

“الفراغ الشامل يوصل إلى تسوية أقل من الطائف وأكثر من الدوحة”، هذا ما سوّقت له شخصيات بارزة في 8 آذار. ومن هذا المنطلق، تستعيد مصادر “بيت الوسط” المشهد كاملاً قائلة إن “اتفاق الدوحة لم تكتمل عناصره إلا يوم أسقطت حكومة الرئيس سعد الحريري. فالدوحة سمح للمرة الأولى منذ الاستقلال باسقاط رئيس الحكومة السني من قبل “الثلث المعطل”. وهذا ما حاول حزب الله تكريسه عرفاً ولن يتراجع عنه في أي حكومة مقبلة”.

لذلك، وفق المصادر نفسها، يسعى حزب الله إلى تكريس الفراغ للذهاب إلى تسوية سياسية أقل من الدوحة وأكثر من الطائف، يستطيع من خلالها فرض أعراف جديدة تسحب لمصلحته ما تبقى من صلاحيات رئيس الحكومة… وهذا ما لن يرضى به تيار المستقبل”.

(المدن)

السابق
امل أحيت ذكرى شهدائها في معركة: شل المؤسسات انتحار جماعي وقتل للوطن
التالي
استثناء حزب الله وجنبلاط من زيارة شكري يطرح جملة تساؤلات