مَهْرُ المدنيّة والديمُقراطِية المُعجّل والمُؤجّل

الارهاب ليس له رأس واحد ولا عقل واحد ولا مدبر واحد، الارهاب ليس اله ولا مجموعة أرباب إنما سيوف شيطانية يحملها من يتقرب الى الله بقتل الناس. فهل تدفع اوروبا ضريبة أمن اسرائيل القومي بالمقام الاول؟ وهل كان اسقاط نظام صدام والقذافي أهم من اسقاط نظام ال الاسد؟

إنّ القارة العجوز التي خاضت حربين عالميتين ومئات الحروب على اراضيها واراضي الغير في أفريقيا وآسيا استطاعت بعد كل نكباتها انتاج مجتمعات مدنية بعيدة كل البعد عن العنف، لدرجة أصبح في قانونها أن ضربة الكف هي عنف قائم وجريمة موصوفة لا تتحملها تلك المجتمعات التي غرقت في تفاصيل الحياة المدنية وحقوق المرأة والطفل والحيوان والانسان. وأصبح السلم الاهلي نموذجا يحتذى على مستوى العالم، تطور ليصل الى تبلور فكرة اتحاد يجمع القوميات والثقافات والحضارات تحت مسمى واحد الاتحاد الاوروبي.

أوروبا قد تكون اليوم بحاجة الى استيعاب الخطر القائم والقادم من وصول المواجهة مع التطرف والارهاب الى مرحلة الدعوة المفتوحة للتحرك والتي عبّر عنها الارهاب بأسلوب غير مسبوق، يتم من خلاله توظيف كافة الحالات لخدمته من تفعيل الخلايا النائمة الى استثمار نماذج الفشل المجتمعي في أوروبا وحتى الإحباط الاقتصادي والسياسي لدى البعض.

المرحلة التي يمر بها العالم اليوم هي مرحلة يمكن تسميتها بأنها مرحلة “المتداخلات المعقدة” فأزمات الشرق الاوسط لم تعد حكراً على الشرق الاوسط، والارهاب وعناصره يتحركون اليوم بأسلوب “الهجرة المعاكسة” مهاجرون من أوروبا الى الشرق الاوسط، الأمر الذي بدأت تظهر ملامحه وآثاره على مفاهيم الإرهاب وتطور تقنياتها وشكلها وحتى طبيعة عملها. اللغة العربية لم تعد اللغة الحصرية للإرهابيين الذي يتحدثون لغات متعددة بطلاقة مثل الفرنسية والانجليزية، وكذلك يحملون جوازات سفر غربية تسمح لهم بالتنقل دون رقيب أو حسيب، عداك عن كسر الصورة النمطية للإرهابي الراسخة في ذهن العالم.

تفجير بروكسل

لهذا من الصعب اليوم الحديث عن اجراءات وقائية تقليدية قادرة على الحد من حركة الاشخاص خصوصاً ان تشديد اجراءات الحصول على تأشيرة سفر يحد فقط من حركة التنقل القانوني ولا يحد من حرية حركة الارهاب نفسه. فالخطر الأمني الذي تواجهه منطقة الشرق الأوسط ينتقل بوضوح الى الدول الأوروبية، ولكن في معظم الحالات عبر أدوات داخلية تربّت وترعرعت في المجتمعات الأوروبية الأمر الذي يلقي الضوء مجدداً على خطورة سياسات انكار هذه الأخطار التي تبنتها كثير من الدول الاوروبية، وأههمها اعطاء مساحات واسعة لزارعي الفتن والكراهية للتحرك ونشر ثقافة التطرف والإرهاب برعاية رسمية من باب الحفاظ على حرية التعبير.

صياغة أي استراتيجية لمكافحة الارهاب والتعاون الإستخباري، لابد أن تأخذ بعين الاعتبار أن بوصلة الأزمات تشير الى ضرورة الانطلاق من قاعدة أساسية تُبنى أساساتها على قاعدة انهاء الصراع في كافة أماكن “التخصيب الارهابي” وبالأخص سوريا. فرأس النظام ليس متهما فحسب باطلاق قيادة داعش من السجون السورية بل بالتعاون الوثيق ايضا مع قيادة القاعدة الموجودة في ايران، ومن الغباء الاعتقاد أن اوروبا لم تكن تدرك تلك الاخطار أو غضت النظر عنها. فداعش والقاعدة لن تؤمن الامن القومي الاستراتيجي لدولة الكذبة الاوروبية اسرائيل كما يفعل النظام السوري والايراني، ومن جهة أخرى اصبح من الضروري أن يتم الوصول الى القناعة الحاسمة بضرورة إنهاء حالة الإستثمار السياسي والمالي للأزمات في المنطقة والاستعداد لتحديات المرحلة القادمة والتي تتجاوز التهديدات الإرهابية التقليدية الى مرحلة المواجهة مع المافيات والعصابات التي تشكلت وتنشط في المنطقة، وباتت تملك شبكات تخترق المنظومات الأمنية لكثير من الدول وتعمل في كافة قطاعات الجريمة (تهريب السلاح، المخدرات، غسيل الاموال، تهريب النفط والبشر وحتى الاعضاء البشرية).

وعلى صعيد آخر تشيرمعظم التقارير الأمنية الى ازدياد حجم العلاقة والارتباط بين هذه العصابات الناشطة دولياً والمجموعات الارهابية كافة بكل تلاوينها الطائفية والمذهبية العاملة في سوريا والعراق ومنها الميليشيات اللبنانية والعراقية.

اقرأ أيضاً: حمى الإرهاب تجتاح أوروبا… أين «داعش» منه؟

هذا الواقع الجديد يضع كافة الدول أمام تحديات أمنية جديدة ويمتحن فعلياً قدرة الأجهزة الأمنية على التكيف مع التغييرات والتعامل مع أنواع جديدة من الجريمة المعقدة والتي قد تشكل صدمات حقيقية لاجهزة الامن التقليدية. باختصار، مناخات التغيير الحالية تفرض واقعاً جديداً يضع الجميع امام امتحان التكيف مع التغييرات والاستعداد للهزات الارتدادية الناتجة عنها.

 

السابق
حقيقة تسليم فضل شاكر نفسه…‏
التالي
أبي نصر لـ «جنوبية»: أين الحس الوطني عند اللاجئين .. ليعودوا!