رئيس الجامعة اللبنانية .. العهد الأسوأ

د. عدنان السيد حسين
يكاد يكون هناك شبه اجماع بين أساتذة الجامعة اللبنانية على ان الجامعة الوطنية لم تشهد في تاريخها الطويل منذ تأسيسها ، هذا الحجم من الفوضى والاستباحة ومخالفة القوانين وضرب المعايير الاكاديمية ، كالذي تشهده منذ تولّى الدكتور "عدنان السيد حسين " مهامه كرئيس لها.

لمن لا يعرف من هو الدكتور عدنان السيد حسين ، انه الوزير الملك في حكومة الرئيس سعد الحريري، الذي قدم استقالته التي اعتبرت في حينه فعل غدر وخيانة ، فأسقط الحكومة في عام ٢٠١١ بينما كان رئيسها موجوداً في واشطن ، والذي كوفئ بعد أشهر قليلة على فعلته هذه ، بتعيينه رئيساً للجامعة اللبنانية التي يفرض نظام المحاصصة المذهبية المتبع في الدولة الفاشلة ، ان يكون شيعياً .

اقرأ أيضاً: الميلشيات تجهز على الجامعة اللبنانية

 

فمنذ توليه هذا المنصب ، سمح هذا الرئيس لرؤوساء الأحزاب وزعماء المذاهب الذين اختاروه لشغل هذا الموقع الرفيع ، بأن يضعوا ايديهم على الجامعة الوطنية التي اصبحت في عهده مؤسسةً تقدم الخدمات الانتفاعية والتوظيفية لأزلامهم ومناصريهم ومحازبيهم ، وتغض النظر عن ممارساتهم وارتكاباتهم العلنية ومخالفاتهم الفافقة التي تستبيح كليات الجامعة ، دون ان يجرؤ رئيسها على ردعهم او منعهم او معاقبتهم . وهذا ما ادى الى تحول بعض الكليات – ولاسيما في البناء الموحد في الحدث – الى معاقل لهؤلاء الأتباع والأزلام ، يمارسون طقوسهم وشعائرهم الدينية فيها ، ويقيمون احتفالاتهم الحزبية وندواتهم الايديولوجية ويفرضون قوانينهم وشروطهم الخاصة دون حسيب او رقيب ، على جميع الطلاب من كل الانتماءات الدينية والحزبية والمناطقية  .

لم يجرؤ هذا الرئيس على التصدي لهم ، ليس لان صلاحياته لا تسمح له بذلك ، بل طمعاً في نيل رضى مرجعياته ، ورغبةً منه في الاستفادة من ” بدعة التمديد ” التي اصبحت شائعة في الحياة السياسية اللبنانية ، والتي شلّت  مؤسسات البلد والنظام الديمقراطي فيه ، وجعلته يدور في حلقة مفرغة من الجمود والتعطيل وانعدام الوزن .

 

ومع اقتراب انتهاء ولاية رئيس الجامعة ، تنبّه اساتذة الجامعة الى ان هذا الرئيس يعمل عمداً على تعطيل وضع آليات الترشيح لمنصب رئيس الجامعة حسب مقتضيات قانون تنظيم الجامعة ، وعلى مخالفة الاصول الاكاديمية وتطبيق الآليات المنصوص عليها في القانون رقم ( ٦٦ ) والتي تفرض تقديم الترشيحات الى هذا الموقع قبل شهرين من انتهاء ولاية الرئيس الحالي ، ومن ثم رفعها الى وزير الوصاية كي يصار الى تعيين رئيس جديد للجامعة في مجلس الوزراء .
ويرى الأساتذة ان لا هدف للرئيس الذي يبلغ من العمر ( ٦٢ ) سنة ( مواليد جنوب لبنان في ٢٧ شباط ١٩٥٤) من وراء هذا التسويف والمماطلة سوى تعطيل الإجراءات القانونية ، علّه يحظى بتمديد ولاية رئاسته الى حين بلوغه سنّ التقاعد بعد سنتين . وقد اضطر تحت ضغوط مكثّفة وبيانات عديدة اصدرتها رابطة الاساتذة المتفرغين ، الى الردّ عبر المكتب الإعلامي في الجامعة اللبنانية الذي أصدر بياناً قال فيه إن “رئيس الجامعة كان قد وضع آلية الترشيح لإختيار خمسة مرشحين، وأدرجها على جدول أعمال مجلس الجامعة لمناقشتها” . وقد يكون هذا الإعلان مجرد عملية التفافٍ او تمويهٍ لرفع العتب او لكسب الوقت والاستمرار في المماطلة ، خاصةً ان الرئيس هو من يحدد ويفرض جدول أعمال مجلس الجامعة ، والبنود والمواضيع التي يجب مناقشتها واتخاذ القرار بشأنها !!

ولكن لماذا يعارض اساتذة الجامعة اللبنانية التمديد للرئيس الحالي ؟ لانهم يؤمنون ان هذا التمديد هو تمديد للأزمة الخانقة التي تعيشها الجامعة ، انه تمديد لسياسة ضرب الاصول والمعايير والقوانين والاعراف الجامعية ، وسياسة الإستنفاع والإستئثار ومصادرة قرار الجامعة واختصاره برأي شخص واحد ، هو الرئيس .

ومن ابرز المخالفات التي ارتكبها الدكتور عدنان السيد حسين:

فقد دأب خلال السنوات الماضية على التنصل من كل الالتزامات والتعهدات التي سبق له ان قطعها عند تعيينه في هذا المنصب في عام ٢٠١١ بتطبيق قانون التفرغ الذي يفرض على الاساتذة المتفرغين الذين يتقاضون رواتب شهرية ويستفيدون من الضمان الصحي لصندوق التعاضد ومن المنح المدرسية لابنائهم ، عدم مزاولة اي عمل آخر خارج الوظيفة الجامعية ، تحت طائلة الغاء عقد التفرغ ، اذا تم الإخلال بشروطه .

وقد تمنّع الرئيس عن القيام بالمسؤوليات والواجبات المنوطة به في هذه المسألة ، مما سمح للعديد من الاساتذة الذين يحظون بحماية حزبية ومذهبية ومناطقية ، بأن يضربوا عرض الحائط بهذا العقد غير آبهين بالمساءلة او المحاسبة او العقوبة التي ينص عليها قانون التفرّغ .

الجامعة اللبنانية

 

واكثر من هذا ، ففي عهد هذا الرئيس ، وبتواطؤ مع بعض العمداء ومديري الكليات ورؤوساء الاقسام ، تمّ تحويل الجامعة بشكل مموّه ومقنّع الى موقع لتوظيف المحاسيب ولتقديم خدمات سياسية ومذهبية لمرجعياته ، وذلك عبر اختلاق حاجات ومراكز وهمية بغية إيجاد الأعذار لتعيين اساتذة من المحظيين . وابرز وسائل الخداع والتحايل المعتمدة والمفضوحة هي القيام بعملية ” تشعيب” وهمية في بعض فروع كليات الجامعة ، ما يفسح المجال للتعاقد مع اساتذة غير مؤهلين ولا حاجة فعلية للجامعة اليهم ، لملء ” فراغ” وهمي ومفتعل ، وهؤلاء يتقاضون اموالاً طائلة مقابل موقع او عمل ( او لا عمل ) استُحدث بكل وقاحة من اجل حشوهم في الجامعة .

وفي مقابل هذا الأداء الزبائني ، نجد ان المسؤولين في الجامعة قد قاموا بنسف كافة المعايير الأكاديمية التي ادعوا بانهم اتبعوها لإختيار اسماء الأساتذة المرشحين للتفرغ ، وهو ما ألحق ظلماً كبيراً بعشرات الاساتذة المتعاقدين والمستوفيّ الشروط الذين استثنوا من قرار التفرّغ الأخير ، لا لشيء سوى لانهم مستقلون وليسوا محسوبين على اي تيار سياسي ، وبالتالي لا يملكون غطاءً طائفياً او جهةً حزبية تزجّ بأسمائهم على لوائح الداخلين الى جنّة التفرغ . وقد ثابر رئيس الجامعة على رفض عرض قضيتهم المحقّة على مجلس الجامعة الذي يتحكّم به ، لانه يعتبر ببساطة انه لا وجود لقضية اسمها ” المستحقون المستثنون من التفرغ ” ، رغم كل الإحتجاجات والمظاهرات التي قادها اصحاب هذه القضية على مدى شهور .

كل هذا الظلم والاستباحة والتدهور الذي يصيب الجامعة في الصميم ، إنما يتم بمباركة من رئيس الجامعة المفترض انه المؤتمن على الحفاظ على مستوى وكفاءة اساتذتها ، وعلى تأمين رقيّها الثقافي والاكاديمي ، وعلى حماية ميزانيتها واعتماداتها المالية من ان تذهب لغير مستحقّيها .

ويؤكد الاساتذة ان هذه الوقائع هي غيض من فيض الخراب والفوضى والاستباحة المستشرية في الجامعة ، والتي تحصل في ظل ولاية رئيس فرّط عمداً بمصلحة الجامعة لحماية ورعاية وصيانة مصالحه الخاصة ومصالح من عيّنه في منصبه ، رئيسٍ مارس صلاحياته الواسعة بشكل استنسابي وانتقائي وشخصاني وكيدي ، وقام بفرض عمداء من لون طائفي معين على عدة كليات ، وقام بتهديد بعض رؤوساء الأقسام بأنهم إن لم ينتخبوا مديراً من لون طائفي معين ، فسوف يعمد الى تكليف أستاذ يختاره ويفرضه عليهم كمدير ، رئيسٍ اتخذ قرارت فوقية واجراءات استفزازية وأحكم قبضته الحديدية المعطّلة على مجلس الجامعة ، واعطى الأذن الطرشاء لكل الانتقادات التي وجهت الى ادائه ، وتصرف على انه الحاكم الآمر الناهي صاحب السلطة المطلقة التي لا تقبل النقاش .

وقد أثار هذا الأداء الإستعلائي وسوء استخدام الصلاحيات ، غضب واستياء واعتراضات اغلبية اساتذة الجامعة ، وفي مقدمتهم رابطة الاساتذة المتفرغين والعديد من المكاتب التربوية في لبنان .

اقرأ أيضاً: الجامعة اللبنانية وتعييناتها: حين يصير الاستاذ تابعاً

والغريب ان رئيس الجامعة الذي صدر له كتاب عن “المواطنة” ، هو من حطم  ” الجمهورية الصغرى” في ظل غياب ” الجمهورية الكبرى ” ، وهو من انجرّ وراء العصبية المذهبية ومارس العنجهية والتفرد في اتخاذ القرار في الجامعة الوطنية ، وقد أخطأ الحسابات وضرب المعادلات ، رغم انه درّس مادة الرياضيات لمدة ١٣ سنة ، ولهذا الأسباب مجتمعة فشل في مهمته كرئيس للجامعة اللبنانية ، كما فشل في أدائه لدور الوزير الملك ، والخراب هو الجامع المشترك في التجربتين ، هكذا يستنتج معظم أساتذة الجامعة اللبنانية .

واذا كان هناك من دليل ساطع على تدهور المستوى الأكاديمي وسوء السمعة والوضع المزري والمحزن الذي وصلت اليه الجامعة الوطنية في عهد الرئيس الحالي ، فهو التالي :
فقد صدرت اليوم النسخة الثالثة من تصنيف جامعات العالم . واحتلت الجامعة اللبنانية المركز الخامس لبنانياً ( بعد الجامعة الامريكية والجامعة اللبنانية الامريكية والجامعة اليسوعية وجامعة البلمند) واحتلت المركز ( ٣١ ) عربياً !!!!

السابق
بالفيديو.. تدمير ممنهج لشاطئ خلده الأثري… ماذا عن السياحة؟
التالي
أكثر 10 مسلسلات مشاهدة في الأسبوع الأول من شهر رمضان