نقيب الأطباء الأسبق الدكتور فايق يونس: الطبيب «أجير» وغطاس خوري أفلس التعاضد

أجرى وفيق الهواري وأحمد ياسين حوارًا مع نقيب الأطباء الأسبق الدكتور فايق يونس نشر في مجلة "شؤون جنوبية"، وتطرق يونس خلاله عن السياسة الصحية العامة والرؤية والتخطيط لحفظ صحة لبنان.

يعتبر نقيب الأطباء الأسبق الدكتور فايق يونس أن لبنان هو الأرقى طبياً في المنطقة، وبإمكانه أن يخضع شعبه كله للرعاية الصحية بـ6000 سرير استشفائي. وهو القادر على ذلك. ولكن في ظل وزير صحة متخصص وفي ظل سياسة صحية رسمية واضحة تضع يدها على المستشفيات لتحقيق هذه الغاية، ورأى يونس أملاً واعداً في ذلك لواردات الدولة والوزارة، إذا ما ألغيت المحسوبيات. سألناه:

· حضرة النقيب، هل يمكن لك أن تُطلعنا، على طبيعة الدور الذي قمت به (كنقيب للأطباء)، من أجل قيام سياسة صحية جدية أو فعلية، في لبنان؟

عندما انتخبت نقيباً للأطباء في لبنان، كان ذلك في انتخابات نقابية، ربما كانت أول انتخابات نقابية في لبنان، في ذلك الوقت، أي في التسعينات من القرن الماضي، فلقد انتخبت أنا نقيباً للأطباء، وشكيب قرطباوي نقيباً للمحامين وعاصم سلام نقيباً للمهندسين، وكنا ثلاثتنا مستقلين عن أي سلطة سياسية، بل كنّا ضد السلطة السياسية. وهذا كان شعاري، في خوض معركة نقابية صادقة (غير مسيَّسة) وقتها. وكنا، بالفعل (في نقابة الأطباء)، نريد إنشاء سياسة صحية في لبنان. والسياسة الصحية التي مارسناها، بدأناها بالتفاتنا إلى كم سيكون عدد الأطباء في لبنان.

مستوى الطبابة

لذلك فإن أول مشروع، بدأت العمل على إنجازه، هو مشروع “تحسين مستوى الطّبّ في لبنان”، وذلك من أجل أن يكون عندنا عدد كاف من الأطباء. فبلد مثل الهند، مثلاً، والتي عدد سكانها مليار ونصف، والتي ربما ليس لديها عدد كاف من الأطباء، لو كان هناك طبيب واحد لمئة ألف او لمليون أو لمليوني، إنسان، فحتى لو كان هذا الطبيب، “فلتة زمانو”، ممكن “بيمشي الحال”. لكن لبنان، كبلد لديه من الأطباء، ما يفيض عن حاجته، له الحق أن ينتقي الأفضل، من بينهم.

طبيب لكل 3000 مواطن

فنحن في لبنان، عندنا طبيب لكل ثلاثمائة مواطن، وهذا يعني أننا نملك أعلى الأرقام في العالم على هذا الصعيد. لذلك أكرر القول: إن من حقنا أن نختار الأفضل، ليس في مجال الطب فقط، بل في الهندسة والمحاماة أيضاً، فعقدنا اجتماعاً نحن النقباء الثلاثة: شكيب وعاصم وأنا، من أجل أن نُحِدّ من العدد في المهن الثلاث (طب، هندسة، ومحاماة)، وبعد التداول في هذا الأمر، قرّ رأينا أن نقبل بانتساب الطالب في (الطب والهندسة والمحاماة)، إلى هذه القطاعات الثلاثة، إذا ما كان حائزاً على علامة 12/20 وما فوق في البكالوريا وذلك بعد أن رأينا أنه يوجد عدد كاف ومتساوٍ، في هذا القبول، من جميع الطوائف والمذاهب اللبنانية، على اختلافها، وذلك مع مراعاتنا لهذه الناحية، حتى لا نظلم أحداً. وفي ذلك الوقت، “كان عنّا وزير تربية بيفهم”، هو الوزير ميشال إدّه، وعندما أطلعناه على المرسوم، الذي وضعناه لهذه الغاية، وقّعه على الفور، ودون تردّد. وكان المرسوم ينص على أن الطالب الذي يدرس الطب أو الهندسة أو المحاماة، ولأن هذه المِهن الثلاثة فيها تُخمة، لذلك فإن على الطالب أن تكون علامته الدراسية، على الأقل 12/20.

إلغاء المرسوم

وكمثلٍ، ففي المجال الطبّي في فرنسا، إذا ما كانوا في حاجة إلى ألف طبيب جديد، – وباعتماد نظامٍ اسمه (نميروس كلوزوس)، أي عدداً معيّناً – فلا “يأخذون” إلاّ ألف طبيب، فقط، دون زيادة مع لحاظ الدرجة العلمية الأعلى. ولقد استمر المرسوم الذي وقّعه الوزير إدّه ساري المفعول، إلى أن تولى وزارة التعليم العالي، الوزير فوزي حبيش، فألغى المرسوم، لأن أصحاب المحاصصة الطائفية (من جميع الطوائف، احتجّوا على هذا المرسوم، لأنهم اعتبروا أن علامة 12/20 لا تناسب مدارسهم، وأنا أقول هذا الكلام، لأشير إلى أن هذا هو الأساس في هذا الموضوع.

السياحة الصحّية

· د. يونس كيف تصف السياسة الصحية الرسمية في لبنان اليوم؟

في بداية حديثي هذا، تحدثت عن “التعليم الطبي”، لأنه هو الركيزة الأساسية، للسياسة الصحية، فالسياسة الصحية، يجب أن تكون من أجل سعادة الناس، أي الاهتمام بنوعية الصحة، وأودّ الإشارة هنا، إلى أن أول عملية قلب مفتوح أُجريت خارج الولايات المتحدة الأميركية، يعني قبل أن تُجرَى في أوروبا كلّها، أُجريت في الجامعة الأميركية في بيروت، سنة 1956، أجراها الدكتور اللبناني إبراهيم داغر، قبل فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

مستشفى

فنحن صدَّرنا العِلْم والمعرفة حتى في الطب. ثم هناك مسألة “السياحة الصحية”، والتي مداخيلها، هي من أكبر المداخيل في العالم، خذ لندن مثلاً، عاشت على “السياحة الصحية”، تبعاً لمواطنيها من البلدان العربية، والأردن – كبلد عربي – عرف كيف يستثمر هذه “السياحية الصحية” في “مدينة الحسين الطبية”. ونرى أن لبنان، أصبح “تلميذ آخر الصف”، في هذا المجال، وهذا بسبب الحرب ومؤثرات أخرى، فالصحّة هي مسألة مهمة جداً، وبالإضافة إلى أهمية صحة الناس، كذلك هناك عامل الاستثمار في المجال الصحّي، إذا ما أُخِذ من الناحية الإيجابية، اقتصادياً، لكن أهمّ عنصر من هذه الناحية، (وهو – بعكس ما يفكرون فيه أصحاب شركات (الآسيرونس)، فهم الذين يفكرون بالأرخص)، بينما نحن (كأطباء) نفكر بالأحسن، والأفضل.

الطبيب أجير في المستشفى

والسياسة الصحية متمثلة بوضع الطبيب، في العرض والطلب، ومنذ زمان بعيد، وعندما كان عدد الأطباء قليلاً، كان الطبيب، “هو المستشفى”، أي أن المستشفى كانت هي أداة بمتناول الطبيب، هي وتجهيزاتها، فما هو الفرق بين “الأوتيل” (الفندق) والمستشفى؟ إنّ المستشفى هي “أوتيل” مجهّز، (إذا بدّك)، بتجهيزات طبية، حتى تكون بتصرُّف الطبيب، من أجل إعطاء خدمة ممتازة للمريض، يعني كانت المستشفى في خدمة الطبيب، أما اليوم أصبح الطبيب “سيريلانكياً” (خادماً) في المستشفى، في العرض والطلب. فلقد صارت المستشفى هي التي تتحكّم بالطبيب، وشركة “الأسيرونس” لأنّو صار في عندك (تييربريّون)، بينما – قبلاً، كانت العلاقة المباشرة بين المريض والطبيب، مسألة مهمة جداً. والذي ضرب هذه العلاقة في الصميم هو هذا الوسيط الثالث بين المريض والطبيب (أي شركات الأسيرونس)، فالمستشفيات قد تحولت، وإلى حدّ كبير، إلى مؤسسات تجارية.

إقرأ أيضاً: 58 عاماً على إنشاء الضمان الاجتماعي..أمبراطورية خاوية

أين الوزارة “المالكة”؟!

· ما هي السياسة الفعلية لوزارة الصحة اللبنانية، في المجال الصحّي؟

وزارة الصحة، تعمد إلى استئجار سرير استشفائي وبشكل سنوي، من القطاع الخاص، بما يعادل ثمن السرير، أي بمبلغ مائة ألف دولار في السنة – وهذا ما كان “على أيامي” – وكان أيضاً بناء المستشفيات يُقدّر بعدد الأسرة التي سيضمّها المستشفى، لا قياساً بالمتر المربّع.

وباعتماد السياسة الصحية الصحيحة، فإن وزارة الصحة، بدلاً من أن تستأجر، سنوياً أسرة تكلّفها مبالغ طائلة، فإن عليها أن تملك مستشفى أولاً، وثانياً أن تملك أسرة خاصة بها، فهذا يوفِّر عليها دفع مبالغ كبيرة جداً، مقابل “فواتير” وهمية على أنها صُرفت على استشفاء مرضى، قد لا يكون استشفاؤهم، قد كلف المبالغ التي تذكرها هذه “الفواتير”.

6000 سرير استشفائي

وهذه هي بعض أمور السياسة الصحية – أيامي – والتي وضعتها أنا، وكنت أحاول إقناع وزير الصحة آنذاك بها. (الوزير مروان حمادة، ومن ثم الوزير سليمان فرنجية). وذلك وفق برنامج وضعته لذلك، ومفاده أن نشتري وزارة الصحة، مستشفيات جاهزة، أو تعمِّر مستشفيات، بدلاً من أن تتعاقد مع مستشفيات تبدأ هذه المستشفيات وحتى قبل أن تنشأ، بتقديم فواتير إلى وزارة الصحة، وذلك كما جرى – سابقاً (وفي التسعينات من القرن الماضي) – لمستشفى في منطقة البقاع (ولا أريد أن أذكر اسمها)، بدأت بتقديم فواتير لوزارة الصحة قبل عامين من نهاية إنشائها. (أي قبل أن تعالج أي مريض)، وأشير هنا، إلى أننا نحن في لبنان بحاجة – فقط – إلى ستّة آلاف سرير استشفاء للشعب اللبناني بشكل عام، هذا بينما يوجد عندنا أكثر من هذا العدد وهذا سببه “الفواتير الوهميّة” التي تكلّف وزارة الصحة أموالاً طائلة، بإمكانها أن تتجنَّبها باعتمادها عملية استشفاء صحيحة.

مستشفى لكل قضاء

وبالنسبة للضمان الصحي الذي “أُخذ” من فرنسا، في عهد فؤاد شهاب، والذي نظّمه – وقتها – الوزير رضا وحيد، ولزَّمه لنزار يونس، فوقتها كان هذا المشروع، وكما في فرنسا، يؤمّن مستشفى، لكل قضاء في لبنان، وبالفعل اقترح نزار يونس منطقة “البترون” حيث أُنشئ فيها مستشفى نموذجياً بسبب من ذلك، كان يفترض أن يعمّم – كنموذج – على جميع الأقضية اللبنانية – وأما الذي حصل، فليس فقط إلغاء هذا تعميم، بل حتى مستشفى البترون، تخلى عن الضمان، وأعطاه لوزارة الصحة والضمان أيضاً، كانت تجري مضاربة وتجارة غير مشروعة فيما بينه وبين المستشفيات، وكذلك، هناك نماذج كثيرة دالة على الخفّة وقلّة المسؤولية اللتان يتعامل بهما مسؤولونا الصحيّون، في مجال السياسة الصحية.

وأنا بالنسبة للسياسة الصحية التي دعوتُ إليها واتّبعتها، ليست مسألة تأميم للمستشفيات، بل من أجل تحسين مستوى الطبّ، وإبعاد القطاع الطبي عن التجارة والفساد.

وإن السياسة الصحية التي اتبعتها أنا في النقابة، أدّت إلى إفلاس ثلاث شركات “أسيرونس” لأنني أنشأت للأطباء صندوق تعاضد، بخمسين بالمائة، من قيمة المبالغ التي كنا ندفعها لشركات الأسيرونس.

هل نحن موظفون لدى الضمان؟

· هل إن صندوق التعاضد ما زال قائماً؟

لولا غطاس خوري كان صندوق التعاضد مستمراً، لكن غطاس خوري، عمل على إفلاس الصندوق وتعاقد – كربّ عمل – مع الضمان، وهذه جريمة نكراء، إذ إننا – كأطباء – أصبحنا بسبب من ذلك، موظفين لدى الضمان، لكن من دون أن يكون ربّ العمل مسؤولاً عن الدَّفع. فغطاس خوري قد عمد إلى إجراء ضمان مع الضّمان، أي نحن أُجراء، وأرباب عمل في نفس الوقت، ما يعني أن الضمان، لا يدفع لنا شيئاً، بل علينا نحن دفع كل شيء، وعندما يصبح عمرنا (64 سنة) أي عندما نصبح أكثر، عرضة للأمراض، أي عندما نكون بحاجة ماسّة لأن نكون مضمونين، لا نكون مضمونين، وهذا ما أهدانا إياه غطاس خوري، هذا الضمان الذي أنشئ خدمة لشركات الأسيرونس.

إقرأ أيضاً: الدواء سِلعَة للنهب الحلال.. والشركات تعترف «نتلاعب بالأسعار»

نعم، هناك أمل

· برأيك، هل هناك أمل يرتجى لأن تكون عندنا سياسة صحية صحيحة في لبنان؟

أكيد ثمة أمل في أن تكون عندنا سياسة صحية، وفي لبنان، أموال تكفي لهذه السياسة الصحية لكن نحن بحاجة إلى وزير صحة يكون عارفاً (بالشأن الصحي).

· ما رأيك بالعلاجات المتمثلة بـ”المتممات الغذائية”؟

أنا عندما كنت في النقابة، منعتُها منعاً باتاً، لأن هذه الأدوية، تكمن خطورتها أكثر من ضررها المباشر على صحّة المرضى المصابين بأمراض حقيقية وخطيرة (مثل السكري، والقلب، وكهربة الدماغ، وأمراض الأعصاب… إلخ)، في أنها تدفع هؤلاء المرضى، لأن يتوهموا، أن هذه الأدوية يمكن أن تشفيهم، وبالتالي يعمدون إلى توقيف العلاجات الحقيقية، وهذا ما يؤدي طبعاً إلى نتائج مأساوية، على المرضى، الذين عليهم ألا يصدّقوا ما يعرض من دعايات لأدوية على شاشات التلفزيون، وعلى فكرة، إن قانوننا الطبيّ يمنع – منعاً باتاً – عرض أي دواء، على شاشة التلفزيون، أي إجراء دعاية ما لأي دواء على شاشة التلفزيون، سواء في ذلك إن كان الدواء الحقيقي، أو غير الحقيقي.

السابق
مقابلة أمين معلوف تشعل حربا على الفايسبوك
التالي
أيام طبية مجانية رمضانية