روحاني يخوض معركة الفن في ايران دفاعاً عن «ناظري»

شهران وروحاني
ألغت المحكمة الدينية في مدينة نيشابور الإيرانية، القريبة من مدينة مشهد المقدسة، الحفل الموسيقي الذي كان سيقيمه التينور الكردي الإيراني المعروف شهرام ناظري وابنه حافظ، في المدينة. وأفتى إمام الجمعة والجماعة في مدينة مشهد علم الهدى بحرمة الطرب والغناء على مقربة من حرم الإمام الشيعي الثامن

كان ناظري قد حصل الشهر الماضي، مرتين، على ترخيص قانوني بإقامة حفل موسيقي في نيشابور، وفي المرتين ألغت المحمكة الدينية الترخيص. وقال مدعي عام المدينة إن الإصرار على إلغاء الحفل، جاء بعد مشاورات مع مسؤولين أمنيين وروحيين في المدينة.

وأعلنت محكمة المدينة أن القرار الذي اتخذته استندت فيه إلى أكثر من عامل، أولا: عدم جواز إقامة حفل موسيقي في مدينة مجاورة لمدينة مشهد المقدسة، حيث يرقد ثامن أئمة الشيعة الإثني عشرية الإمام علي بن موسى الرضا. ثانيا: حرمة مشاركة المرأة المسلمة في فرق الغناء والموسيقى، أو حضورها حفلات إلى جانب الرجل، باعتباره تجاوزا لثقافة عدم الاختلاط التي يحض عليها الدين. ثالثا: احتراما لذكرى شهداء المدينة، بعد استفتاء أسر الشهداء في هذا الأمر.

ردود الفعل على هذا القرار الغريب الذي يطال أكبر قامة موسيقية في البلاد، جاءت بداية من قبل أبناء أسر الشهداء في نيشابور، الذين أكدوا أن أحدا لم يستفتهم في هذا الأمر، مبدين عدم اعتراضهم على إقامة حفل للموسيقار المحبوب ناظري الذي يبعث صوته الفرح والسرور في قلوبهم.

مؤسسة “بيت الموسيقى الإيرانية” الجهة الرسمية التي تعنى بالفن والفنانين في إيران، اعتبرت القرار “تصفية حسابات سياسية”، نافية ان يكون “للغرض الديني المعلن عنه”، معتبرة قرارات الإلغاء الصادرة عن الجهات الدينية “إهانة للفن الإيراني والعاملين فيه، خصوصا النساء”.

مستشار رئيس الجمهورية حسن روحاني، محمد باقر نوبخت، نقل عنه عدم ارتياحه لما جرى، وعدم اقتناعه بالأسباب التي ساقها المعترضون على حفل ناظري، خصوصا الدينية منها، مؤكدا أن “هذا النوع من القرارت سيكون لها انعكاسات سيئة على الثقافة الوطنية وعلى المجتمع الإيراني”.

من جهته، لم يتفاجأ ناظري، بقرار المحكمة في نيشابور، فقد اصطدم قبل اسبوعين، بقرار مماثل صدر عن محمكة مدينة إصفهان، التي ألغت بدورها، حفلا فنيا كان عازما على إقامته فيها. في نيشابور كان تبرير المحكمة واضحا، فقد أعلنت أنه لا يجوز إقامة حفل غنائي على مقربة من ضريح الإمام الرضا، فذلك يتعارض مع القدسية الدينية للمحافظة الشيعية، التي يحتضن ترابها جسد أحد أئمة أهل البيت، لكن في إصفهان لا وجود لضريح مقدس! ورغم قربها من قم، المدينة المقدسة بالكامل، التي تضم مرقد شقيقة الرضا السيدة فاطمة المعصومة ومسجد جمكران الذي تدعي الأسطورة الدينية الإيرانية ظهور الإمام المهدي المنتظر فيه، إلا أن المحكمة الدينية، كان لها ذريعة دينية مختلفة، فقد اعترضت العمامات هناك على وجود نساء في فرقة ناظري يغنين! ويتنافى غناؤهن مع التعاليم والثقافة الإسلامية الأصيلة.

إقرأ أيضاً: المرأة الإيرانية بدأت بتحرير نفسها… ولم تنتظر وعود الإصلاحيين (4)

شهرام ناظري
شهرام ناظري

ناظري اكتفى بالتعليق على ما حدث في إصفهان، بالقول: “إصفهان خيبت أملي”، بعد اصطدامه بقرار محمكة نيشابور أكد: “لن أفقد الأمل”، وقال: “اليوم، علي اختيار واحد من الخيارات الثلاثة: إما أن أودع عالم الموسيقى، وإما أن أترك البلاد، وإما أن أستمر في تقديم الموسيقى الوطنية والتراثية كما ينبغي أن تقدم وأحارب النظرة الضيقة نحو الفن، والخيار الثالث يناسبني”.

لكن ناظري لا يحارب وحيدا هذه المرة، كما في بدايات الثورة حين منع من العمل، فرئيس الجمهورية حسن روحاني، قرر مواجهة المؤسسة الدينية إلى جانبه. وزارة الإرشاد أيضا، تحدثت عن ضغوطات يتعرض لها الفنانون في إيران، وحذرت من تنامي مزاج ديني يهدف إلى تعطيل الحياة الفنية في البلاد على كل المستويات. أما “بيت الموسيقى” فقد توعدت بمتابعة الموضوع في المحاكم، باعتبار ما يجري سابقة خطرة وغير قانونية.

في العام الماضي، على أثر إلغاء عدد من المهرجانات الفنية، لوح روحاني بتدخله شخصيا، في مواجهة القرارت الصادرة عن “جهات معينة” في موضوع الإلغاء الاستنسابي لهكذا أنشطة، ورد عليه رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني المعروف بتشدده، سائلا: “هل ترضى أن نجيز إقامة مهرجانات موسيقية يرقص فيها الفتيان والفتيات جنبا إلى جنب؟ وأنت تعرف أن هذا مناف للتعاليم الدينية الإسلامية؟.

قضية إلغاء حفل ناظري وحفلين آخرين للفنانين علي زند وكيلي وكيهان كلهر، في محافظة خراسان، محركه الأساسي هو علم الهدى، رجل الدين المتشدد المعروف بولائه لمرشد الثورة السيد علي خامنئي، الذي يحاول أن يجعل من محافظة خراسان إمارة دينية منغلقة، وهو يعكف على مراقبة المشهد الثقافي فيها، محاربا كل ما يتعارض مع قناعاته بالفتوى، وحين سئل عن إلغاء المظاهر الموسيقية في مشهد، قال: “مشهد بأكملها حرم الإمام الرضا وليس المكان الذي يضم ضريحه فقط”.

إقرأ أيضاً: أحدهم سيخلف المرشد في إيران(1): بين الخميني الحفيد والخامنئي الإبن

بطاقة تعريف

شهرام ناظري
شهرام ناظري

شهرام ناظري موسيقار إيراني من القومية الكردية. أسس المدرسة الصوفية في الغناء، أو ما عرف لاحقا بالموسيقى العرفانية. فكان أول من غنى قصائد الشاعر الصوفي العظيم مولانا جلال الدين الرومي وصديقة شمس التبريزي، وقصائد أهم شعراء إيران الكلاسيكيين أمثال: الفردوسي وسعد وحافظ الشيرازي.

أنزل ديوان جلال الدين الرومي “مثنوي معنوي” الصاخب بالحكمة والفلسفة والتصوف، من عالم المكتبات، إلى عالم الموسيقى، محولا قصائده رغم صعوبة كلماتها ومعانيها إلى أغان رشيقة تجري على كل لسان، من حوارية “موسى والراعي”، إحدى أهم القصائد الفلسفية التي تحكي عن الإيمان الفطري وصورة الله في وجدان البسطاء، وقصيدة السكارى “خطوة بخطوة” بالفارسية “أندك أندك”، التي صارت بمثابة هوية له، حيث ينهي بها كل حفلاته وغيرهما.

يحمل أحد ألبوماته عنوان “مذهب المحبة”، كدليل على الهدف الذي يغني من أجله، وهو كما يقول لا يبتغي من الغناء إلا نشر المحبة بين الناس.

حصل على جائزة تقديرية من الأمم المتحدة قدمها له بان كي مون، إضافة إلى جوائز موسيقية عالمية من فرنسا وألمانيا ومدينة فاس المغربية. سمته مدينة نيويورك “بافاروتي إيران”، وأهداه أحفاد جلال الدين الرومي جائزة ذهبية، كما أهدته مدينة “خوي” التي تضم ضريح شمس التبريزي مفتاحها، وفي مدينة سان دييغو الأميركية اعتمد يوم 25 شباط من كل عام يوم “الأستاذ ناظري”.

السابق
بدء جلسة مجلس الوزراء
التالي
سلامة: اقفال 100 حساب مرتبط بحزب الله