صفعة سياسية.. رفضا لاحتقار «الناس» في طرابلس

الفقر في المدينة إلى ازدياد والإهمال الرسمي والبلدي مستمر، فيما أبناء المدينة يصدمهم كيف أنّ المدينة تضمّ قيادات سياسية معروفة بثرائها الفاحش وبفعاليتها السياسية. فيما مدينتهم تزداد بؤسًا ولا يحركون ساكنًا.

ثمّة غضب في مدينة طرابلس من قيادات المدينة وزعمائها. حالة الغضب ظهرت على مستويين في الإنتخابات البلدية. على مستوى نسبة الاقتراع التي لم تتجاوز ال27 في المئة، وفي التصويت المفاجىء للائحة “قرار طرابلس” في مواجهة لائحة “لطرابلس” التي تحظى بدعم كل من الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي ونواب المدينة وآل كرامي وغيرهم.
لايمكن النظر إلى فوز لائحة قرار طرابلس إلاّ باعتباره تعبيرًا عن حالة استياء تجاه السلوك الإنمائي والسياسي لزعامات المدينة تجاه مدينتهم.
فطرابلس المنكوبة إنمائيًا واقتصاديًا مجمعة على أنّ المجلس البلدي فشل في السنوات الست الماضية بتقديم شيء يعتدُ به في المدينة. علمًا أنّ التحالف الذي حضن المجلس البلدي السابق هو من احتضن لائحة “لطرابلس” التي فشلت في الإنتخابات ونجحت في إيصال ثمانية أعضاء من أصل  24 عضوًا فقط، وفق ما خلصت إليه عمليات الفرز.
الفقر في المدينة إلى ازدياد والإهمال الرسمي والبلدي مستمر، فيما أبناء المدينة يصدمهم كيف أنّ المدينة تضم قيادات سياسية معروفة بثرائها الفاحش وبفعاليتها السياسية. فيما مدينتهم تزداد بؤسًا ولا يحركون ساكنًا.
يسأل الطرابلسيون في العموم: ماذا حقق هؤلاء للمدينة؟ كان بعضهم يتمنى أن يكون الغضب منهم، بعدما فوجىء بالإنتخابات، غضبًا ضد الإهمال وضد الفقر وضد المتاجرة بفقراء المدينة وليس ضد تصويت الأهالي الغاضبين.

اشرف ريفي
تجربة التحالف السياسي العريض في طرابلس بدت نتائجها واضحة من خلال حصيلة ما أنجزه المجلس البلدي خلال الولاية الاخيرة. فلماذ يكرر أبناء المدينة إعادة انتخاب مجلس بلدي ثبت أنّه فشل بسبب الخلافات السياسية والنفعية بين القيادات السياسية المتحاصصة فيه؟

يجب الإقرار أنّ الانتخابات البلدية في طرابلس كانت فرصة ليكتشف العديد من القيادات السياسية رصيدهم في هذه المدينة… ليكتشفوا حجم الخيبة لدى الناخبين من هذه القيادات. ليس من عذر في استمرار السكوت على ما سماه أحد الطرابلسيين “إهانة المدينة واستغباء اهلها”. ثمة شعور تلمسه لدى العديد من أبناء المدينة بأنّ زعماء المدينة وقادتها يستهينون بالناس، ولا يستجيبون لحقوق المدينة، غايتهم استزلام أبناء المدينة، وتحويلهم إلى مجرد لاهثين من أجل ما يتصدق به هذا الملياردير أو ذاك المليونير من نوابها أو زعمائها عليهم.

تقول الأستاذة في الجامعة اللبنانية هلا أمون، وهي الناشطة في المجتمع المدني، أنّ النتائج في الانتخابات البلدية هي صرخة احتجاج في وجه نواب المدينة ووزرائها، قبل أن تكون صرخة تأييد للواء اشرف ريفي. ثمّة شعور عميق في المدينة أنّ زعماءها يحتقرون الناس، ويحتقرون أكثر، أزلامهم في المدينة. فسياسة الاستزلام دمرت المدينة وجعلتها مستباحة بالمخالفات والتجاوزات. تلك التي بنى السياسيون زعامتهم عليها  وثمّة روايات عدّة يتداولها أبناء المدينة عن المحاصصة والتعطيل ووضع اليد على الأملاك العامة وشراء أملاك البلدية بأسعار بخسة من قبل بعض السياسيين، وعن مشروع ردم البحر ومشروع المرآب، وهي مشاريع تتم محاصصتها بين حيتان المال من دون النظر الى حصة المدينة منها على المدى البعيد.

اقرأ أيضاً: من خلاصات الانتخابات البلدية: «لا» في وجه الأحزاب.. #كلّن

مأساة طرابلس ليست في الإنماء، بل حتى في أولئك الذين جرى توريطهم بحروب عبثية موّلها بعض الزعامات، وبعد ذلك ترك المتورطون فيها يصارعون بمفردهم في محاكم عسكرية، أو جرى نسيانهم وهم قيد الاعتقال. العشرات من أبناء المدينة خرجوا للقتال في سورية أو العراق، بسبب فقرهم، أو لكونهم ملاحقين لأسباب سياسية أو أمنية.

طرابلس المدينة فضيحة السياسيين فيها. مدينة دفعت أكثر من غيرها من المدن اللبنانية قتلاً وتشريدًا ودمارًا في زمن الوصاية السورية، لكنها أيضًا ظلمها ذوو القربى وهو ظلمٌ أشدّ وأقسى… في الأمن وفي السياسة وفي الإنماء، هذه المدينة العريقة في التاريخ الحاضرة في الوجدان العربي والإسلامي، النابذة للتطرف الديني، هذه المدينة المتهمة بالتشدد والاصولية والسلفية، لم يظهر فيها مرشح يحمل واحدة من هذه السمات.

إقرأ أيضًا: قطار «مدينتي» من بيروت الى بعلبك فطرابلس الاعتراض واحد

الغضب كان ضد الإهمال وطلبًا للدولة والقانون. حتى التأييد للواء اشرف ريفي، كان تأييدًا لرجل يقول عن نفسه انّه من مدرسة رفيق الحريري. رجلٌ يأتي من المؤسسة الأمنية الرسمية ومن الإدارة العامة، أي أنّه ابن دولة، لم تستولده الميليشيا ولا عالم المافيات. فطرابلس انحازت لصلابته وهناك فرق بين الصلابة والتطرف. ريفي لم يقل شيئًا خارج قواعد وشروط الدولة.

يمكن ملاحظة أنّ تيار المستقبل الذي فاز في بيروت وفي صيدا فاز لأن أبناء هاتين المدينتين لا يزالون يعتقدون انّه يمثل خياراتهم السياسية، لكنهم وجهوا له تأنيبًا. أما في طرابلس فكانت الفرصة مناسبة لجمهور “المستقبل” لتوجيه اكثر من تأنيب تحت سقف الثوابت: إنّها صفعة من داخل البيت، وليست من خارجه.

السابق
القوميون الإجتماعيون الجدد وعشق قومية الاسد!
التالي
بلدية زحلة: احترمنا التمثيل السني والشيعي