السلفية الجهادية في لبنان: بيئة حاضنة والاتباع يزدادون!

في وزن الامور، عدد اتباع الحركات السلفية الجهادية في “تزايد مطّرد” في لبنان. “يزداد حيناً ويقل حينا آخر. لكنه في اوجه حاليا، بسبب القتال في سوريا”، يقول الباحث في شؤون تيارات الاسلام السياسي الدكتور محمد علوش. في لبنان، لا احد يستطيع ان يعطي “ارقاما دقيقة”، لكن لهؤلاء “بيئة حاضنة. وهذه البيئة ليست متمردة على الدولة، ولا تكرهها، لكنها بيئة حاضنة، لانها لم تجد لها منفذا آخر لتعبر عن تطلعاتها، ولم تجد لها حتى مرجعية”. وفي رأيه، “ضعف المرجعية السنية في قيادة الشارع السني” هو احد الاسباب التي ساعدت في نمو الظاهرة.

المهمة ليست سهلة. “اصعب ما يعترض الباحث في فكر الحركات الاسلامية الجهادية هو قلة المواد العلمية الموثوقة التي تؤرخ لها ولطروحها وادبياتها الفكرية والسياسية بحياد وموضوعية، من دون اسقاطات ايديولوجية”. في التصنيف، تندرج تلك الحركات تحت تسمية “السلفية الجهادية”، او ما يعرّفه علوش بـ”احد الوان الفكر السلفي الذي يتبنى العنف او الجهاد سبيلا وحيدا لتحقيق الهدف المنشود”. والهدف هو “اقامة الدولة الاسلامية، تحقيق شرع الله، واقامة الخلافة”.
في اعتقاد الاسلام السياسي، “اي كل التيارات الاسلامية، سنية كانت أو شيعية، ان الاسلام صالح لكل زمان ومكان، وينبغي تطبيقه لتحقيق العدالة في الارض”، يشرح علوش. وهذا المسعى “لا يتطلب زمانا ولا مكانا محددين، بل يمكن تحقيقه في اي وقت، وواجب على كل مسلم ان يعمل من اجله. وتعتقد تلك التيارات انها نذرت نفسها للقيام بمثل تلك المهمة. وكل منها له طريقته في تحقيقها”.
في العودة الى الاصل، تجمع السلفية الجهادية ما “بين افكار الاخوان المسلمين التنظيمية والفكر الوهابي القائم على عقيدة سلفية صلبة… وابرز سمة لتنظيماتها هي التكفير والاسراف في القتل”(*). سمة اخرى لها هي جذب الشباب الى صفوف مقاتليها، و”اسباب ذلك اجتماعية، اقتصادية، سيكولوجية- دينية، ومناطقية”، وفقا لعلوش. “الشاب في مراهقته، يريد ان يتمرد على الواقع. وبما ان الواقع متردٍ اجتماعيا واقتصاديا، وسببه الاساسي العودة عن الدين، يبدأ عندئذ رحلة البحث عن الدين… ويجد في الحركات الجهادية اقرب ما يعبّر عن تطلعاته”.
في تقويم للظاهرة، يشدد علوش على وجوب التمييز ما “بين الدين والفكر الديني. وما نراه حاليا هو تطبيقات بشرية للدين. هناك افكار دينية تترجم، هناك انتقاء للنص الديني، وهناك محاولة لاسقاطات تاريخية على الواقع الحديث. وبالتالي الدين (الاسلام)، في شكله الاساسي، لا يمكن ان نحمّله المشكلة. في رأيي، هناك احباط كبير تعيشه المجتمعات العربية والاسلامية… ويُتَرجم حاليا باعمال عنف. الامر اشبه بالمراهقة المجتمعية”.

 هل السلفية الجهادية تتهدد الاسلام كدين؟
-“اعتقد ذلك. هذه السلفية ليست دخيلة على الاسلام، بمعنى انها من اجندات خارجية او صنع مخابرات… هناك تطبيقات، او فهم متشدد راديكالي في الاسلام. ليست المرة الاولى التي نشهد جماعات مماثلة. نجد مثلها في العهد الاول للاسلام، ثم ايام العباسيين والاتراك. دائما ما تنشأ حركات متشددة بابعاد دينية، وهذه الحال احداها. ولكن هل تتهدد الاسلام بالمفهوم التقليدي؟ نعم، لانها تشوّه صورته، وتجعله لصيقا بالارهاب والعنف والاقصاء والتمرد”.
في لبنان، الاقرار صريح. “هناك بيئة حاضنة” للسلفية الجهادية. عند الكلام على السنّة فيه، يحدد علوش “هجينا مختلطا من 3 هويات: السنية اللبنانية، الفلسطينية السنية، وثالثة مستجدة بعد الازمة السورية، وتتمثل في اللاجئين السوريين. وتلك الهويات تعيش احباطا، وتشعر بانها مضطهدة ومستهدفة من النفوذ او التفوق الشيعي، أكان في العراق أو سوريا أو لبنان… وهذا الاحباط يُتَرجم احيانا بحالات عنف”.
واذا كانت السلفية الجهادية “تمثل تهديدا للبنان، مع انها ليست السبب المباشر لتدميره او تفتيته”، فالحق واجب قوله: “اذا لم يدرك اللبنانيون اهمية الهوية الوطنية الجامعة وضرورة ان تعلو على الطائفية، فسيبقى لبنان فريسة لكل تهديد خارجي. اليوم، السلفية الجهادية، وغدا قد يكون تهديد آخر”.
من البداية، “لم يكن لبنان بعيدا من متناول فكر “القاعدة” وتنظيمها… ونجد ان له مكانة على خريطة عملها”(*). في قراءة الاعتبارات، “لبنان جزء اساسي من منطقة بلاد الشام، اي فلسطين ولبنان وسوريا والاردن. وهناك احاديث نبوية تمدحها… وفي ادبيات الاسلاميين ان الدولة الاسلامية، اذا ما نشأت في بلاد الشام، فسيكون لها المستقبل، وان تلك البلدان من مقومات استمرارها”.
سبب آخر للاهتمام بلبنان هو “اعتباره مدخلا على الصراع مع اليهود. وبالتالي يحتاج هؤلاء الاسلاميون الى اثبات الشرعية لانفسهم من جهة، ومن جهة اخرى الى اقناع السنة بانهم لا يقاتلون انظمة مستبدة فحسب، انما ايضا العدو الاساسي للامة الذي هو اليهودي سارق الارض ومشوّه التاريخ وطارد الفلسطينيين من ارضهم”. الى ذلك يضاف “اعتبار التيار السلفي الجهادي ان “حزب الله” هو الشوكة الكبيرة لايران في لبنان. ومواجهته تعني بالتالي قطع التمدد الشيعي”.
صح. السلفية الجهادية تتمدد. “ولا يمكن مواجهتها امنيا فقط”، يشدد علوش. “الموضوع ليس امنيا، بل هو اجتماعي فكري ثقافي. ويجب ان تتوزع المعالجة على 3 مسارات: الحكومة، المؤسسة الدينية، والمجتمع المدني”. بالنسبة اليه، “المعالجة تأخرت. لكن الامر لم ينته بعد. وكل يوم يتأخر الحل، تكبر المصيبة اكثر. في رأيي، اذا لم تحلّ الاشكالية في سوريا والعراق، فلن تُحَل في لبنان. قد نخففها، لكن لن نستطيع القضاء عليها”.

http://newspaper.annahar.com/article/180145

السابق
بالصور.. فلتشر ربة منزل!
التالي
قرار اتهامي في حق الشيخ مصطفى الحجيري ومذكرة القاء قبض