في الجنوب: إنتخاب «المخّ» أو «العضلات» أو الحمير؟

في مسرحية "مدرسة المشاغبين"، قبل أكثر من نصف قرن، يقول عادل إمام لسعيد صالح: "أنا المخّ، وانت العضلات. يعني لو اختلفنا، أنا ح ابقى ضعيف، وانتَ ح تبقى حمار". وقِس على مسرحيات نعيشها يومياً.

لا يختلف اثنان أنّ حزب الله هو الأكثر كفاءة في إدارة الشؤون العسكرية والأمنية. قاتل إسرائيل وقارعها وشارك في دحرها، وها هو في سورية يقاتل الشعب السوري ويحفظ نظام القاتل بشار الأسد بلا منازع. لا جدال في قوّته وجبروته.

لا يختلف اثنان حول أنّ حركة “أمل” هي الأكثر كفاءة في “استخراج” الحقوق الشيعية من أفواه الطوائف والمذاهب الأخرى. ولا جدال في أنّ الرئيس نبيه بري كان له الفضل الأكبر، أكثر حتى من الإمام موسى الصدر ومن الشيخ راغب حرب، في “دَحْوَشَة “الشيعة داخل إدارات الدولة، وفي تشذيب “المارونية الإدارية”. لا جدال إطلاقا.

لكن هل إنّ آلاف الكفوءات والكفوئين، في أجيال شيعية تتراوح أعمار أفرادها بين 20 و40 عاما، في الجنوب والبقاع وبيروت وغيرها من المناطق، لا يطابقون مواصفات “الإدارة المحلية” لشؤونهم؟ هل إذا فاز شاب في البازورية أو في صور أو في ربثلاثين أو في خربة سلم، ودخل المجلس البلدي، من خارج إرادة حزب الله وحركة أمل، ورضاهم، سيخسر حزب الله الحرب في سوريا؟ أو سيحكم جبلَ عامل زعماءُ الموارنة أو الدروز أو السنّة؟

إقرأ أيضًا: بلديات الجنوب منذ 2004: أكبر سرقة للأرض تحت ظلال «المقاومة» والثنائية

في هذا جدال وكثير من الجدال. فمن ابتلي الجنوبيون بقوّتهم وجبروتهم لا يصحّ أنّهم يصلحون لكلّ شيء. وإذا كان المقاتلون، المرابضون على تخوم حلب ودمشق، أو الرابضين على تخوم العديسة ومارون الراس، إذا كان هؤلاء هم من سيدير البلديات، فإذا لنرسل المحامين والمهندسين والحرفيين والمثقفين والمدرّسين، ليقاتلوا في حلب والشام وحمص وعلى الحدود مع فلسطين المحتلّة.

لن يرضى أهل الجنوب أن يستمرّ حزب الله، ومعه حركة أمل، في إيهام الجنوبيين والشيعة، بأنّه لا أحد أفضل لإدارة شؤونهم المحلية م أولئك الذين عجزوا طوال 16 عاما، منذ التحرير في أيار 2000، عن بناء جامعة أو مستشفى أو مصنع، وسكتوا عن تهجير من تبقى من أهل الجنوب إلى الضواحي الفقيرة في المدن وإلى وظائف لا تناسب تحصيلهم العلمي.

إقرأ أيضًا: الجنوب: الأهالي يواجهون «احتلال» الثنائية لأملاكهم وشؤونهم

لن يرضى أهل الجنوب بأن تحكمهم العضلات، فيما “العقول” تُركَل تارة إلى جميعات المجتمع المدني، وطورا إلى أحزاب من طوائف أخرى. فلا يجد الرافض للوضع في الجنوب أو المعارضُ السياسي، غير الانضواء في تيار المستقبل (وهو يعجّ بالشيعة حاليا) أو “التلطي” خلف وليد جنبلاط (والأسماء أكثر من أن تعدّ وتحصى)، وترى بعضهم يصل إلى معراب بحثاً عن رجعٍ لصدى صوته.

العضلات هناك على الجبهات، التي سنسألكم عنها قريباً، وسنرفض (ورفض كثيرون حتى الآن) إشراكنا في حروب لا تخصّنا. أما في البلديات، فاتركوا القرار للعقول ولمن يملكون “المخّ”، وإلا سنصير كلّنا حميراً، على ما تنبّأ عادل إمام قبل نصف قرن.

السابق
هل تعلم ما هو اتفاق 17 ايار؟
التالي
خلافات لبعض الأبراج.. وانفراجات لأخرى!