قضية سامر واليسار الـ«فالصو»

اليسار
كلمة فالصو هي اصطلاح شائع عن الذهب المزيف، قيمته أقل بكثير من قيمة الذهب الحقيقي و إن كان له نفس اللون، هي طبعا إشتقاق معرب من الكلمة الانجليزية False بمعنى خطأ او غير صائب.

من مميزات اصطلاح الفالصو هي قابلية استخدامه لوصف المزيف في كل ناحية، لكن هذا يقتضي أن يكون الموصوف ذو قيمة شكلية زائفة، فلا منطق في وصف الخشب بخشب فالصو، او بوصف القمامة بقمامة فالصو، أستغرب حقا أنني لم اسمع بالحرير الفالصو، ربما لأن ملمس الحرير مميز أكثر من لون الذهب.

اقرأ أيضاً: ردا على مقال «التروتسكية»: هيمنة الاحزاب الطائفية مبرر للطروحات الثورية

وهذا الملمس الحريري هو وصف معنوي مناسب للحضن الدافئ لدى صاحب النفوذ في كل مكان، فالحظوة لدى المدير والوزير وصاحب المال والأعمال لها نعومة لبس الحرير، والاحزاب التي تتزلف الأنظمة فتحصل على حظوة ما لديها، تستشعر الأمان الحريري بما لا يدع مجالا للشك بأنه فالصو..

ما نوعية هذه الاحزاب؟ هنالك احزاب وتيارات موالية على طول الخط، شبيحة النظام كما درج وصفها، وهو ما ينسحب على افراد وشرائح اجتماعية وأسباب ذلك يطول شرحها، لا سعة لي بشرحها في مدونتي البسيطة (ربما يجدر بجرائد الأحزاب اليسارية ان تقوم بهذه المهمة بدل تأييد الحكم العسكري المصري بهدف النكاية بالأخوان)، هذه الكتل المجتمعية هي مملوكة للسلطة دون ريب أو شك، لكن الإضافة المفيدة هي المعارضة التي تؤدي دور رأس الحربة على المعارضات الأخرى، المعارضة الفالصو!..

فالمعارضة التي تؤيد اعتقال معارضين آخرين دون تهم جنائية، فقط بهدف النكاية بخلفيتهم السياسية (غالبا الاسلامية)، هي تؤدي الدور المناط بها لتبييض الانتهاك الحاصل، في سياق “شهد شاهد من أهله”، وتعطي الصورة بأن هنالك معارضة تتقاطع مع القرار الحكومي أحيانا، و طبعا لا يعيب أن تتقاطع مع الحكومة أحيانا لكن المعيب ان تؤيد سلوكا من المفترض أنك تسعى للثورة عليه او على الاقل اصلاحه، ودون ذريعة سوى ما يعني الجكر والنكاية السياسية، المقترنة بالحسد السياسي غير المخفي بذكاء.

أما عن الجانب التنظيمي، فحدث ولا حرج، فأحد هذه الاحزاب يباهي بأنه جمع المئات خلال فترة الحراك الشبابي، لكن هذا الأحد تحديدا، يتميز بوجود بعض غير قليل من أعضائه ممن يمتهنون البلطجة السياسية، وفي أحيان أخرى كانت البلطجة غير سياسية بل فعلية، من تشهير بآخرين (وأحيانا منهم أنفسهم) بدون حدود دنيا أخلاقية، وصولا الى لغة التهديد والوعيد، نظرة شرقية تقليدية جدا للمرأة وإن كرت بالاختلاف او نقد هذه النظرة، يسارعونك الى الإتهام بالفامينية او الليبرالية، على أساس انها تهم! وهذه دلالات الجهل…

هذا المسلك وهذا الجهل، يدلان معا او كلا على حدة، بأن الية التنظيم كانت تحشيدية بهدف الحصر، فالحزب الطليعي الجماهيري ليس طليعيا ولا جماهيريا، هو يحمل اسما من ذهب لكنه فالصو، بل إنه عبئ على اسمه، لا يحرك سلوكه السياسي او صيغة برنامجه سوى التزلف يمنة ويسرة، هل هي صدفة حالة الندرة الشديدة وجود كوادر نسائية في هذه الاحزاب؟ وأن نسبة التمثيل النسائي في جماعة الاخوان المسلمين تفوق نسبتها في أغلب الاحزاب اليسارية؟

اليسار

جماعة الاخوان الرجعية المتخلفة….الخ، أما اليسار التقدمي فهو يحمل اللون التقدمي والصورة التقدمية، لكنه بمضمون لا يبتعد كثيرا عن الوهابية في تخلفها و الاخوانية في انتهازيتها، يسار فالصو!

بيروت كانت محطتي منذ ايام. لا أعلم إن كان جمال بيروت هو الطاغي على ذاكرتي الآن أم مشهد ضرب سامر.

زيارتي لبيروت كانت قصيرة ربما، لكنها كانت صادقة، صريحة وواضحة اختصرت لي بيروت أو حالنا العربي بشكل عام بمشاهد متعددة ومختصرة. حزمت امتعني لبيروت معتقدة أنني سأرى واقعا حزبيا مختلفا بعض الشيء عن ما نعرفه ونمارسه في عمان. التقيت أصدقائي هناك حيث أجزم أنهم الأرقى والأثقف في شباب جيلهم. تبادلنا أطراف الحديث عن اليسار واليسار العالمي وحال الأنظمة ووضع الحريات والفقر و”التعتير” وحال التعليم والتطرف وداعش وكالعادة كانت سوريا سيدة النقاش كما هي سيدة الوطن العربي المجروح.

“كُل قطرة دم عم تنزل بسوريا عم تنزل من روحي” هذا ما قاله سامر في بداية حديثنا لينزف دما من رأسه بعدها بساعات قليلة في وسط شارع الحمرا في بيروت على مرأى ومسمع الناس جميعها، اذ غدره ذكر – ذكر وليس رجل، لأن الرجال تواجه ولا تهرب – صارخاً: “بتسب أدونيس يا كلب” وبدأ بضربه بحزامه مع سيل من المسبات والقذارة وهرب. هرب واختبأ ولم يظهر هذا الجبان حتى اليوم!

وسائل التواصل الاجتماعي كان لها نصيب من القذارة أيضاً فمنشورات: “بستاهل”، “الله لا يرده”، “ليش بعده عايش” كانت تدل على أن هؤلاء الجماعات لا تختلف كثيراً عن داعش فكلاهما يطبقون حد الردة إن خرجت عن “ملتهم”، كلاهما يجلدونك أو يرجمونك إن مسست “بمقدساتهم”، كلاهما يوزعون صكوك غفرانية أو وطنية.
الطريق إلى التحرر تبدأ بالتحرر من دعاة التقدمية.

اقرأ أيضاً: البرلمان الإيراني يوسّع للمرأة على حساب رجال الدين‎

للتوضيح: لا أعمم لكن ليس على عاتقي أن اعيد في كل شبه جملة اقولها انني لا اعمم، من قد يطالبني بعدم التعميم عليه أن يتوقف عن تحسس رأسه، وأن يثق أكثر بنفسه وبخياره، او يعيد النظر بأي منها او كليها.

السابق
سفير بيلاروسيا زار غرفة صيدا والجنوب
التالي
ترهيب وتجاهل… يستهدف انصار لوائح المعارضة الشيعية…