في رثاء اليسار: من تحت الدلفة لتحت المزراب

اليسار
في مناسبة الذكرى التسعين لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني كتب الأسير المحرّر من سجون إسرائيل، الشيوعي سابقا واليساري حاليا، أحمد اسماعيل، بعض الآراء والخواطر والمواقف من اليسار اللبناني. هي آراء نقدية في يسار تحول إلى يساريين...

من تحت الدلفة لتحت المزراب، يسار مثقوب كطبقة الأوزن، ملوّث ويلوث بيئته، ومن ثقوبه يرمي من صفوفه الكثير دون التعويض بصفوف جديدة لحد أدنى.
هكذا هي حالة اليسار وعلى رأسه الحزب الشيوعي اللبناني. تجربة مع اليسار ما بين الجدية والسخرية، ما بين الالم والفرح، ما بين النعاس الحاد واليقظة، او تجربة تكللت ما بين الصمت والفجور، بين اليأس والامل، او تجربة تخللها ضرب اقداح الخمر على ماض كان حلوه ومرّه في آن واحد وصورة واحدة.
يسار ما بين التجربة والواقع، اليساري مريض لا يعترف بمرضه، ولا يقبل بعيادة طبيب، ولا يريد تناول الدواء، أدمن المسكنات في احتفال هنا واحتفال هناك. كي يشعر انه بخير، او يرفع علما هنا او هناك او يلتحف شرشف غيفارا على جسده كي يُطمئن الآخر الى انه ما زال ثوريا.
اليساري يختلف مع قيادته، يخرج من التنظيم، وبعد قليل يلتقي مع القيادة في جبهة تجمعه معها سياسيا، لكن يكون بينهما مثلا نجاح واكيم أو أسامة سعد. وقبل ذلك يصرّح انه اختلف مع النهج السائد.
تجربة اخرى تُسّمى “يسار ديمقراطي”. خرجوا ليعلنوا اسما جديدا وانت “مكفي” و”ماشي” لا تجد الا المدرسة ذاتها والاداء ذاته والمؤامرة الايجابية ذاتها. العقل هو نفسه والمدرسة نفسها ولم يبق في ذاك اليسار الا الديمقراطي الذي خرج منه طوعا او مكرها… تجربة.
اسم اليسار برّاق، لكن فحواه ليس هو المعدن الاصلي لا في قضاياه ولا في تحالفاته ولا في اهدافه.
أصبح اليسار طبق الاصل عن نفسه، يُستعمل كالاختام عند الضرورة، يستعمل الختم عند كل منعطف من الاغراء او هبة تقدم من هنا او من هناك. انه أشبه بفرق مرتزقة عند الحاجة او الضرورة.

واصبح لليسار افراد تستعمل الجماعة لبعض الاستثمار الشخصي. لهذه الاسباب الختم مهم لها، ومن الصعوبة التخلي عنه بعملية ديمقراطية بديهية، ومن اجل عدم التخلي عن ذاك الختم فإنّ تلك القيادات مستعدة لاستعمال كل انواع الاسلحة كي تبقى مكانها ولو اضطرت لتضحي بالهيكل، وكل ما بداخل هذا الهيكل.
لم يعد هذا اليسار الحالي بكل اطيافه مُلهما حتى لافراده، فما بالك ببقية المجتمع ومكوناته. لم يعد التاريخ الجميل له عنوان لجلب الرضى عنه، ولم يعد الصرف منه عملا مجديا كي يبقى حاضرا.
الجعبة صرفت، والناس خرجت، وادوات النضال تبعثرت، والقيادات همها الحساب ودفتر التوفير لها ولأولادها في البنوك وبسرية مصرفية تامة. ويبقى السؤال: ماذا بعد وماذا نريد، وأيّ يسار نريد؟
أكيد برأييّ لا اريد من كل اطياف هذا اليسار يسار الحزب الشيوعي الذي هو أشبه بيسار في يسارية محمد فنيش، ويسار اليسار الديمقراطي أشبه بيسار ايلي محفوظ، ويسار نجاح واكيم أشبه بيسار سالم زهران.
والافضل لي من كل هذا اليسار ان يكون اليسار يسار الدولة والقانون، ويسار اولا في نقد التجربة وأخذ الدروس والعبر.

السابق
حسين الموسوي: سبب خلافنا مع البعض هو انهم يريدون الولاء لاميركا ونحن لا نريد ذلك
التالي
إيران لحزب الله: أنت صخرتي وعليها سأبني أمبراطوريتي