السيد محمد حسن الأمين: زيارة «العتبات» شرعيتها من قدسية اصحابها

كثير ما يقع جدل بين المسلمين بين الاتجاهات المعتدلة والمتطرفة حول مسألة زيارة العتبات المقدسة أو زيارة قبور الأئمة والأولياء الصالحين، والشائع ان السلفيين يحرمون زيارتها، في حين ان الاشاعرة يحللونها والشيعة يعتبرونها من المستحبات التي يحوز من يقوم بها على أجر كبير من ربه، فما هي الحقيقة ؟ وما هو الحكم الشرعي لزيارة المقامات والمراقد المقدسة؟

يقول سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الامين، انه ” ان مبدأ العناية القصوى في القبور العامة وترسيخها في الأرض وعدم قابليتها لأن تصبح قبوراً دراسة حتى بعد عشرات المرات من السنين كما هو الحال في بعض القبور المسلحة والمدججة بالرخام والحجارة الصلبة التي نشاهدها في بعض مقابر المسلمين هنا في لبنان على الأقل، فإن هذه الظاهرة لا تنسجم مع الرؤية الإسلامية التي تقضي بالبناء البسيط للقبور بحيث تتعرض للإندراس بعد زمن غير طويل، فلو أردت أن أفترض أن كل القبور أو أكثر القبور سوف تبنى بالحديد والصلب والرخام، الأمر الذي لا يطاله الفناء إلاّ بعد مئات السنين، فإن هذا سوف يعني بالضرورة أن هذه القبور بعد زمن ليس بطويل سوف تحتل شيئاً فشيئاً أكبر مساحة من الأرض، وربما تصبح أوسع من مساحات السكن للأحياء، وهذا سيؤدي إلى فهم مقاصد الدين الإسلامي في فهم الرواية الواردة عن الرسول(ص): أن خير القبور الدوارس”.

غير ان السيد الامين يستثني زيارة قبور الأنبياء والأولياء وخصوصاً قبر الرسول(ص) وقبور الأئمة ومقاماتهم مثل زيارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف، فيقول “إنها من وجهة نظري تشكل استثناء عن القاعدة العامة، شرط ان لا يصحبها غلوّ وذلك لأسباب أهمها، أن هذه القبور هي رموز تستمد قيودها من خلود ساكنيها من الأنبياء والأئمة وهم يشكلون دائماً حاجة ضرورية، بحكم المبادئ التي جسّدوها، حاجة ضرورية لاستذكار هذه المبادئ والقيم بحيث تأتي زيارة هذه القبور لا يهدف تقديس أصحابها بالدرجة الأولى، ولكن بهدف تقديس ما يمثلونه من المبادئ والمناهج القديمة في تجسيدهم للإسلام وبادئه وعقيدته وأحكامه، وليس صحيحاً أن زيارة هذه القبور هي شكل من أشكال عبادة أصحابها والعياذة بالله”.

ويستذكر السيد الأمين: “لقد زرت قبر جمال عبد الناصر رحمه الله في القاهرة في ذكرى وفاته، ورأيت حشوداً من الناس تحضر إلى هذا القبر، فهل كانت هذه الحشود قد وفدت لأداء طقوس العبادة لجمال عبد الناصر؟!

لذلك نرى أن هناك تطرفاً من قبل الذين يحرمون زيارة القبور بحجة انها نوع من الشرك، مع العلم أن في تاريخ البشرية القديم والمعاصر قد تباين، والناس اتفقوا على تخليد بعض الرموز التي يعتبرونها عظيمة ومؤثرة في تاريخ البشر من فلاسفة وأدباء وعظماء، ويقيمون لهم القبور والتماثيل، مما يدل أن هذا جزء من الطبيعة البشرية وليس شذوذاً عنها، وماذا يفعل الشيعة أكثر من أنهم يقيمون لأئمتهم هذه الأضرحة؟ علماً أن هؤلاء الأئمة هم أكثر تأثيراً وأشدّ قداسة لدى المسلمين عامة والشيعة خاصة من القبور والتماثيل لرموزهم العاديين من البشر، لذلك فإنني أدعو إلى وقف هذه الحملة الظالمة والتي تمارس تحت شعار حرمة زيارة القبور، فالمسلمون السنة قبل الشيعة لا يقولون بحرمة زيارة القبور حتى العادية منها، بل يعتبرون أن هذه الزيارة مستحبة لأنها تذكّر الأحياء بالموت وتكبح من جماح تعلّقهم بالحياة كما لو أنهم خالدون فيها”.

إقرأ أيضًا: السيد محمد حسن الأمين يتحدث عن جورج طرابيشي والعلمنة

وعن العبرة الدينية والاخلاقية من زيارة القبور يلفت السيد الأمين “ان في زيارة القبور لأجل موعظة الناس جميعاً وللطغاة منهم بشكل خاص، وللمستكبرين والذين ينسون أن ما لهم في هذه الدنيا هو إلى هذه الحفرة الحقيرة الدّارسة ذات يوم، بحيث لا يبقى من الإنسان إلا سعيه نحو الخير والصلاح وإسعاد بني البشر.

وهنا أتذكر قول الشاعر أبي العلاء المعري منذ أكثر من سنة:

 

صاح هذه قبورنا تملأ الرحب             فأين القبور من عهد عاد؟

 

وأتساءل أنا هنا، أين القبور من العهد الفينيقي والفرعوني، أليست هذه التربة هي التي نسكنها ونزرعها ونعيش عليها؟

إقرأ أيضًا: السيّد محمد حسن الأمين: الدولة الدينية دولة غير شرعية

ويختم السيد الأمين نافيا بعض ما يدسّ من موتورين فيوضح ” أما القول الشاذ والشائع في أن الشيعة يعتقدون أن زيارة قبور الأئمة هي أفضل من فريضة الحج، هذا القول  لا أساس له على الإطلاق، فالحج واجب وتكراره مستحب، فيما زيارة الأئمة فهي في أحسن الحالات مستحبة”.

السابق
الجربا : أي حل سياسي و حلب تموت ؟!
التالي
بي بي سي تعتذر من خطأ بحق المعارضة في حلب