السيد محمد حسن الأمين وسؤال: هل يمنع الاسلام الترحّم على ضحايا بلجيكا؟

بعد تفجيرات العاصمة البلجيكية بروكسل، والتي تبناها تنظيم داعش الارهابي، وظهر فيها ان مسلمين متطرفين نفذوها يحملون الجنسية البلجيكية، فوجىء العام بخبر تناقلته وكالات الانباء أن أئمة المساجد في بروكسل رفضوا اقامة صلاة مهداة لأرواح الضحايا لأن فيهم غير مسلمين، والأسوء أنهم رفضوا حتى الترحم عليهم. فهل يمنع ديننا الاسلامي فعلا الترحّم على غير المسلمين من مسيحيين وغيرهم حتى لو كانوا ضحايا أبرياء قتلوا ظلما بارهاب يدعي الاسلام؟

عن تفجيرات بروكسل يستهل السيد الأمين حديثه بالقول: “ما حدث في بروكسل منذ أسبوع أو أكثر هي عملية إرهابية بكل معنى الكلمة للإرهاب ولا يمكن تبريرها استناداً إلى أي دين أو قانون أو عرف، بل لا يمكن إلاّ وضعها داخل إطار الجريمة العامة على أناس أبرياء لا يوجد لدينا أية شبهة في أنهم لا يستحقون القصاص ولا الأذى، لأن اختلافهم في الدين عن غيرهم هو أمر مشروع لهم والمسلم لا يجيز لنفسه وفقاً لعقيدته أن يقتل الآخر غير المسلم سواء أكان مسيحياً وحتى بوذياً، بل وحتى لو كان كافراً، ولذا فإن هذه الجريمة تجعلنا نحن المسلمين نشعر بأسى وحزن مضاعفين على ما حصل في بلجيكا وعلى ما حصل قبلها في باريس، قلت مضاعفين لأن الأسف والحزن على إزهاق الأرواح البريئة أمر طبيعي من قبل الإنسان تجاه الإنسان، وثانياً لأن الجريمة التي ارتكبت نسبها هؤلاء المجرمون إلى دين الإسلام وهي نسبة باطلة يتبرأ منها الإسلام براءة كاملة”.

أما الكلام على أن المسلم لا يترحّم على الكافر أو على غير المسلم وأن الرحمة لا تجوز إلا على الموتى المسلمين، فبرأي السيد الأمين ” أن هذا أمر لا يحتمله العقل المجرّد ولا العقل المشبع بتعاليم الإسلام وإيمانه بأن الرحمة الإلهية ليست مقصورة على المسلمين فحسب، إنما هي شاملة لجميع خلق الله، دون أن يعني ذلك أن المسلم عندما يترحّم على غير المسلم أن المسلم في هذه الحالة تبنى عقيدة أخرى أي عقيدة الشخص الذي يترحّم عليه، والكائن الإنساني بحدّ ذاته هو كائن مكرّم كما في قوله تعالى: ” ولقد كرمنا آدم وحملناه في البر والبحر وفضلناه على كثير مما خلقنا تفضيلا”.

يؤكد السيد الأمين أن الاسلام دين الإنسانية “وكل ما في الوحي كان موجّهاً للإنسانية كلها ولو أنه بدأ في دائرة ضيقة هي مكة ومن ثم جزيرة العرب، إلا أن النداء القرآني الذي يتكرّر دائماً هو نداء: “يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم”، وهذا يشي إن الدعوة هي إسلامية عالمية، وواضح ان الإسلام يدعو الإنسانية كلها لاعتناقه، وهو لا يجبرها على ذلك فـ”لا اكراه في الدين” كما جاء في القرآن كذلك، لذلك فالاسلام لا يلغي حقوق الشعوب بمزاياها وعاداتها وتقاليدها ولغاتها المختلفة وأذواقها المتعددة، بل هو يقرّ إقراراً واضحاً حق التعدد والتنوع بين الشعوب، لأن الإسلام واضح في أن البشر خلقوا شعوباً وقبائل مختلفين في ألوانهم وألسنتهم وطبائعهم، والله حرص على أن تتسع شريعة الإسلام لكلّ تلك الاختلافات”.

السيد محمد حسن الامين
السيد محمد حسن الامين

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: ظاهرة التطرّف تواجه بـ«الإصلاح الديني»
ويستعين السيد الأمين بالتاريخ للاستشهاد بالتسامح الذي كان قائما بين المسلمين وغيرهم يوم كان العرب والترك يحكمون بلادا مسيحية فيقول ان”التاريخ الإسلامي أثبت أن التعايش مع الأديان المختلفة واحترام طقوسها هو أمر ممكن، بل واجب، وخاصة إذا كانت المسألة تتعلق بأهل الكتاب، أي أصحاب الأديان السماوية، فالإسلام في دائرته ودولته لا يميّز في الحقوق والواجبات بين المسلمين وغيرهم عندما ينتمون إلى مجتمع سياسي واحد، والإسلام يأمر المسلمين أن يلزموا غيرهم بما ألزموا به أنفسهم، ودعوة الإسلام إلى التقارب والتراحم والتسامح والحوار والتعارف بين أصحاب الأديان والملل المختلفة واضحة كل الوضوح، وهو يؤكد حقيقة الاختلاف بين البشر، ولكنه يأبى ان يكون هذا الاختلاف من أشكال التواصل بين ذوي الأديان والعقائد، وقد سمّى هذا التواصل بمصطلح قرآني بالغ الدقّة وهو مصطلح “التعارف”. “لتعارفوا”، فكيف يمكن التعارف بين مجموعات من البشر يضمر بعضهم للبعض الآخر الكراهية والحقد والشعور بالتفوق العنصري؟”

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الامين في ذكرى الثورة في ايران (1): يتذكّر الامام الخميني

ويخلص السيد الأمين بقوله” إذن فإن مبدأ التعارف يكرّس مبدأ المساواة بين جميع البشر في الحقوق والواجبات، فالكل خلق الله والكل عيال الله، أقربهم إليه أنفعهم لعياله، وليس من المعقول كما يقول البعض أن الجنّة لم تخلق إلاّ للمسلمين، فإن الصلاح وخدمة أبناء الإنسان والتضحية في سبيل إقامة العدل والحرية والمساواة ورفع الظلم عن البشر لا يمكن أن تكافأ بغير ما تستحق من رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء، وكل الناس حتى لو لم يكونوا مسلمين”.

السابق
تسجيل نادر لابطال عملية ميونخ الفدائية
التالي
انتخابات بلدية أم صفقات سياسية؟!