الانتخابات البلدية… «أم المعارك» ام مراهقة سياسية؟

انتخابات
لان المشكلة هي بالعقل والمجتمع الذي يهرب من الحقائق غير السارة باتجاه الكذب المطمئن، فقد نحتاج أولاً للتوضيح ان هذا النص لا يعبر عن رفض للانتخابات البلدية المزمع اجراؤها، او ان المراد هو تصغير حجم الحاجة الى التغيير والنيل من الاشخاص الطامحين اليه.

لا يسعنا سوى الإضاءة على نقاط ضعف هذه الانتخابات والتي اقل ما يمكن القول فيها انها تأتي “مبتورة” في ظل فراغ رئاسي وتعطيل غير مسبوق للسلطات الأساسية في التاريخ الحديث للبنان. انها تأتي في ظل ارتهان القرار السياسي والأمني والعسكري، وبطبيعة الحال، الإداري والانمائي، لعدة عوامل محلية وإقليمية وحتى دولية.

يذكرني اندفاع وتشجيع بعض “جمهور” الانتخابات البلدية اللبنانية (القادمة) بأيام المدرسة وغزو العراق للكويت وحربه مع أمريكا والعالم و”ام المعارك”. تلك المعركة التي لم تكن أكثر من هزيمة نكراء أسست لكل هزائمنا في المنطقة خلال العقدين الماضيين. كما وينبهني ايضاً الى فترة من الطيش والتهور وتحليل الأمور بأسلوب الأبيض والأسوَد. فترة التحليلات والاسقاطات الشوفينية، والتي تأخذ الانسان الى طروحات وأفكار “ثورية” و”وردية” و”بريئة” لدرجة انها قد تصبح “فعل عدو” من دون ان ندري. انها فترة المراهقة بامتياز. والمراهقة في علم النفس هي الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي. فالأفكار “الثورية” و”الوردية” و”البريئة” في حال لم تتخطّ فترة “المراهقة”، فاقل ما قد تأخذنا اليه، هو مرحلة من “الدونكيشوتية”، هذا ان لم تتسبب بأضرار إضافية.

إقرأ أيضاً: لماذا الإنتخابات البلدية اليوم قبل الغد؟

بشكل عام، وحتى هذه اللحظة، وبغض النظر عن بعض الحالات الاستثنائية، ولأسباب موضوعية عديدة، وفيما عدا تحديد موعد لأجراء هذه الانتخابات من قبل سلطة عاجزة عن اية مبادرة وتترنح تحت ضربات الخارج والداخل، لا يمكن تشكيل أيّة لائحة تغييرية حقيقية قادرة على اجراء لانتخابات البلدية في البلدات او المدن اللبنانية.

لا يمكن ذلك لأسباب تتعلق بقانون الانتخابات نفسه، وقانون البلديات ايضاً. قوانين قديمة وبحاجة للتجديد والتطوير لأنها أصبحت خارج روح العصر والديمقراطية. ولا يمكن إجراؤها ايضاً لوجود أكثر من 1000 بلدية في بلد تبلغ مساحته 10452 كلم2 ولا يتعدى عدد سكانه الخمسة ملايين.

الانتخابات البلدية

ان المشكلة الأساسية في البلد هي استخفاف الناس (باللاوعي) بكل تفاصيل الحياة العامة بظل وجود هواجس أساسية تتعلق بالمصير والمستقبل. انها تشبه الى حد بعيد هواجس اللبنانيين خلال الحرب الاهلية. هواجس تتعلق بالحرب السورية، والاصطفافات الطائفية والمذهبية التي قد تشعل حربا اهلية بأيّة لحظة. هواجس تبعد الناس عن الالتفات والدفاع عن ابسط حقوقها الصحية والبيئية والخدماتية.

إقرأ أيضاً: إلغاء الانتخابات البلدية.. يعني شلل لبنان

ان سياسة النعامة (دفن الراس بالرمل) لعدم رؤية “ام المشاكل” في البلد، والتي يعتمدها البعض ادعاءً للتغيير، لا تختلف عن اجترار تجارب تم خوضها سابقاً وباءت بالفشل. المأساة الحقيقية هي ان هنالك من يحاول ان يوحي لنا (واقنع البعض) بأن المشكلة في البلد هي عدم وجود عمل بلدي صحيح. هنالك من يحاول ابعادنا عن صلب الموضوع الذي هو عملية اختطاف وسيطرة تامة على وطن بأكمله.

جيدة هي الدراسات البرامجية او البرامج النظرية، ولكن يبقى التنظير شيء والتطبيق شيء آخر. ان كل برنامج انمائي لا يقترن بالتغيير المجتمعي والسياسي هو عبارة عن برنامج ناقص لا يعوّل عليه… انه محاولة “مراهقة” بأحسن الأحوال فالمطلوب هو التغيير بالشكل والمضمون ايضاً. فالمعضلة ليست بالانتخابات ومن سوف يأتي مكان من. المشكلة كما قلنا أولا، هي بالعقل والمجتمع الذي يهرب من الحقائق غير السارة باتجاه الكذب المطمئن.

إقرأ أيضاً: نهاد المشنوق لـ«جنوبية»: لن نقبل بتأجيل الانتخابات البلدية

لماذا هذه الانتخابات البلدية بالذات لا يعول عليها؟؟… لأنها ان كانت “أم المعارك” او عمل مراهق… فإن المشكلة الحقيقية تكمن في مكان آخر.

السابق
اقتراح رئيس لسنتين… بين الاشاعة والحقيقة
التالي
سخافة بعض الإعلام: نبش القبور!‏