في ذكراها: الحرب الأهلية قائمة بعونه تعالى

41 عامًا مرّت على «مأساة اللبنانيين التي تحوّلت بعد يومين إلى كوميديا» بحسب يحي جابر، حرب تحوّلت إلى ذكرى تتناقلها الأجيال لتحذر اللبنانيين من العودة إلى الماضي، ولكن ماذا عن مآسينا اليوم؟

«تنذكر وما تنعاد» عبارة اعتدنا على سماعها وتكرارها على لسان كلّ لبناني عند كلّ مناسبة أو حديث عن الحرب الأهلية التي شهدها لبنان على مدى 15 عامًا، واليوم في 13 نيسان ذكرى الحرب الأهلية يستذكر اللبنانيون الذين عايشوا أو سمعوا عن تلك الحقبة هذا اليوم المشؤوم من عام 1975، الذي كان شرارة انطلاق حرب دمّرت الحجر وقتلت البشر وخلّفت مهجرّين ومخطوفين ومفقودين ومعوقين إضافةً إلى الطائفية والمذهبية التي ترسّخت في العقول والنفوس.
26 عامًا على نهاية الحرب الأهلية، في الظاهر أمراء الحرب تحولوا إلى زعماء ورؤساء أحزاب، وأعداء الأمس إلى حلفاء، والمقاتلون إلى دعاة سلام، أمّا خطوط التماس والحواجز فأصبحوا معابر آمنة أمام اللبنانيين.

بوسطة عين الرمانة
بوسطة عين الرمانة

أمّا الواقع الملموس لحالة لبنان تظهر أنّ اللبناني يعيش حرب من نوع آخر، فالانقسام والتقوقع المذهبي في أوجّه، والنمو الإقتصادي لامس 1% بحسب تصنيف صندوق النقد الدولي. إضافة إلى الإنحدار الثقافي والاجتماعي والأخلاقي، أمّا فضائح الفساد الأخيرة فهي خير دليل على هشاشة الدولة ومؤسساتها، من شبكات دعارة واتجار بالبشر إلى شبكات انترنت غير شرعي، إضافة إلى الإرهاب المتنقل بين المناطق اللبنانية.
وإذا بحثنا بالأرقام نجد أنّ لبنان يمتلك كلّ مقومات الحرب، فالبطالة والفقر والعوز والتسوّل والهجرة وسلامة التغذية والجرائم والنفايات والتلوث..كلّها ظواهر مستشرية في المجتمع، هذا عدا عن الفراغ الرئاسي وتعطيل المجلس النيابي ومجلس الوزراء المهدّد بالتعطيل عند مفترق أي قضية. ولكنّ لبنان صامد بوجه الانفجار الكبير، وكأنّ اللبناني استسلم لواقعه وأحلامه وبات كائن يتعايش مع واقع مذري فاسد وطائفي.
فاللبناني الذي شارك في الحرب الأهلية كان مفعمًا بالأحلام والأهداف والآمال، خاض غمار الحرب كوسيلة للوصول إلى أحلامه، وعلى الرغم من عبثية الوسيلة وخطورتها ونتائجها إلاّ أنّ الأهداف كانت وطنية وقومية، فجزء قاتل من أجل الحفاظ على لبنان ووجوده، وآخرون قاتلوا من أجل فلسطين والعروبة..أمّا اليوم فما هي أحلام اللبناني؟

إقرأ أيضًا: وفجأة رأيت شيئًا من ذراعي يتدلى
المسرحي والشاعر والصحفي يحي جابر قال في حديث لـ«جنوبية» « الحقيقة المرة، هي أنّ الحرب اللبنانية عم تنذكر وتنعاد في سورية، فاللبنانيون لن يكرروا الحرب مرتين، وهذا بات واضحًا. فبين عامي 2005 و2016 مرّ على لبنان الكثير من بوسطات عين الرمانة، اغتيالات لسياسيين وصحافيين، حرب تموز، أحداث نهر البارد، 7 أيار، جولات جبل محسن والتبانة، أحداث عبرا وعرسال..إلاّ أنّ اللبنانيين ورغم انقسامهم لم ينجروا إلى حرب. وهذا يعود لعدّة أسباب أوّلها أنّ اللبناني إن لم يُدفع إلى الحرب لا يخضها والدول الاقليمية والدولية لا تحتاج حربًا في لبنان حاليًا، أيضًا هناك طرف واحد مسلّح فقط والحرب تحتاج إلى جبهتين، أمّا السبب الذي يجب أن نعترف به هو أنّ الزعماء اللبنانيين تعلموا من تجربة الحرب حتى بات لديهم درجة من الوعي تمنعهم الدخول في حرب جديدة».
وتابع جابر «نعم نعيش شحنًا طائفيًا لا مثيل له، لكن كلّ من خاضوا الحرب في أرضنا لا يريدون الحرب في لبنان اليوم، ويمكن توصيف واقعنا بأننا في حالة ترانزيت لا إقلاع ولا هبوط، فنحن في هدنة مستمرة طوال العمر وكأننا نعيش ما قبل الحرب ومابعدها بانتظار التمويل».

عماد موسىومن جهته قال الصحافي عماد موسى في حديث ل “جنوبية” في ذكرى الحرب الأهلية “قيل أنّ الحرب، بشقها اللبناني، انتهت مع إتفاق الوفاق الوطني ومع حلّ الميليشيات. لكن الواقع يشي بالعكس. الحرب مستمرة بوجود ميليشيا أقوى من الدولة. مرة تستعمله في الداخل كما حدث في أيار 2007 ومرات تهوّل به لفرض شروط سياسية أو لتعطيل الحياة السياسية أو إقرار قانون المحكمة الدولية”.

إقرأ أيضًا: حرب 1975: ركاب البوسطة اللبنانية لم يتغيروا …هرموا فقط
وأضاف “الحرب مستمرة باردة وفاترة وناراً تحت الرماد. تغيّر اللاعبون لكن فائض القوة للمقاومة الفلسطينية الذي حرك التناقضات في سبعينيات القرن الماضي يقابله اليوم فائض قوة للمقاومة التي ترعاها وتموّلها الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي استباحت كل مفاهيم السيادة الوطنية، وابتدعت معادلة “جيش وشعب ومقاومة” غير المقبولة في نصف لبنان على الأقل”.
وختم موسى “الحرب قائمة. تغيرت الأسلحة. تغيّرت المعادلات والمخططات. تغيرت خطوط التماس. لكنها قائمة بعونه تعالى. والغيتوات قائمة . وبدلاً من فتح لاند قبل اربعة عقود هناك “حزب الله لاند” والآتي يدعو إلى القلق. ”

الحرب الأهلية التي شرّدت وهجّرت وقتلت مئات الآلاف من اللبنانيين باتت ذكرى نعيشها يوميًا ولكن بصورة مغايرة، فكلّ ما يعانيه اللبناني اليوم هو وجه من وجوه الحرب لكن من دون دمار وقتل على الهوية وقصف عشوائي!

السابق
الرئاسة الفلسطينية: «دولة فلسطين» قريبًا على جوازات السفر
التالي
قصة محمد ياسين: ولد بعد الحرب الأهلية فصدّره الحزب للحرب السورية