لا تصدقوا كل ما يكتب عن الدعارة في لبنان

تسمّى “أقدم مهنة في التاريخ”، لكنّ الكثير من المنظمات الحقوقية والمعنيّة بمكافحة الإتجار بالبشر والإستغلال ترفض هذا التوصيف، اذ ما من نشاط ينطوي على عنف وإكراه.. هو بمهنة! وإذا كانت الدعارة تعدّ، من المنظور الإنساني، نشاطاً مكروهاً يحوّل المرأة الى سلعة تشترى وتباع ويعرّضها الى شتّى انواع الإستغلال والعنف، فإنها بحسب القانون اللبناني جرم يعاقب عليه القانون.

ليست كل المعلومات المتداولة حول الدعارة من المنظور القانوني في العالمين الواقعي والافتراضي صحيحة. على سبيل المثال، كُتب بعد القاء القبض على شبكة الاتجار بالبشر في المعاملتين، أن ثمة قانوناً لبنانياً قديماً ينظم الدعارة، لكنّ الحرب الأهلية ساهمت في غياب الرقابة والتنظيم لتبقى الأمور في فوضى عارمة حتى يومنا هذا. لكنّ الحقيقة “القانونية” ليست مطابقة تماماً لهذا السرد!

الدعارة ليست قانونية كما يتداول!

في حديث الى “لبنان24″، يشرح المحامي منير الشدياق أنه في العام 1931 صدر قانون “حفظ الصحة العامة للبغاء”، وبموجبه أجيز للمحافظين إعطاء تراخيص لفتح بيوت الدعارة، غير أن هذا القانون بات بحكم الملغى بعد 12 سنة على صدوره، أي في اللحظة التي أنجز قانون العقوبات الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 340 بتاريخ 1 آذار عام 1943، والذي اعتبر الدعارة من الأفعال المخلّة بالآداب العامة، أي أنها باتت جرماً يعاقب عليها القانون.ويتابع:” صحيح ان القانون الصادر عام 1931 لم يُلغ بنصّ رسمي، الا ان ما ورد في قانون العقوبات وتحديداً في مواده من 523 الى 530 جعل القانون السابق بحكم الملغى، فلم يعد بمقدور المحافظين منح تراخيص تخالف نصّ القانون، واذا منحوا اذنا او ترخيصا فيمكن لاي صاحب مصلحة قانونية مراجعة القضاء المختص لابطال القرار”.

إقرأ أيضًا: بين سبايا «che Maurice» وسبايا داعش… أوجه شبه

وإذ يلفت الشدياق الى أن المشرّع اللبناني لم يعط الدعارة تعريفاً واضحاً وصريحاً مكتفياً باعتبارها جريمة يعاقب عليها القانون، يشرح أن “ما يمكن استنتاجه من مجمل المواد المتعلقة بها في قانون العقوبات، أنها تعني كل اقامة علاقات جنسية سريّة وغير شرعية لقاء الحصول على مبالغ مالية، أي بهدف الكسب والربح المادي”. مضيفاً: “الدعارة تشكل اعتداء على قدسية جسم الانسان وشرفه واخلاقه وقد تؤدي الى طفولة وأمومة غير شرعيتين، متسببة باضرار تمسّ الامن الاجتماعي والاخلاقي في المجتمع”.

ومن المعلومات المغلوطة التي تمّ تداولها مؤخراً في بعض المنابر، أن الزبون الذي يشتري الجنس لا يُعاقب، إلا أن الشدياق يلفت الى أن “العقوبات تطال كل فاعل (أي الفتاة أو المومس) وشريك ومحرض ومتدخل ومسّهل لهذه العملية من بدايتها الى نهايتها (مثلا سائق التاكسي الذي يقلّ الزبائن او الفتيات) وكل من علم بهذا الموضوع، وطبعاً الزبون”.

ماذا عن قانون الاتجار بالبشر وما علاقته بالدعارة، وما هو وضع الفتيات- الضحايا في ظلّه؟

يلفت الاستاذ الشدياق بداية إلى أن جريمة الإتجار بالبشر لا تنطوي فقط على الدعارة، انما تشملها الى جانب أفعال جرمية اخرى، ويضيف شارحاً القانون 164 الصادر بتاريخ 14 آب 2011 والذي اضاف للباب الثامن من الكتاب الثاني من قانون العقوبات فصلاً جديداً مخصصاً حصراً لمعاقبة جرائم الاتجار بالبشر، عرّف هذه الجريمة على انها كل فعل لاجتذاب شخص او نقله او استقباله او احتجازه او ايجاد مأوى له بوسائل معينة لتحقيق اهداف محددة. ومن هذه الوسائل: التهديد بالقوة أو استعمالها أو الاختطاف أو الخداع أو استغلال السلطة او استغلال ضعف الضحية او تلقي مبالغ مالية او مزايا او استعمال اي من هذه الوسائل على شخص له سلطة على شخص آخر.اما الاهداف فهي اما لاستغلال الضحية بشكل مباشر واما بهدف تسهيل استغلال الضحية من الغير”.

الضحايا ايضا امام القضاء

وإذ يصف قانون الإتجار بالبشر المجنى عليهم بالضحايا، الا انه بحسب المادة المادة 586 يشترط على الضحية تقديم اثباتات تُؤكد ارغامها على ممارسة الافعال الجرمية، كي تُعفى من العقوبات (يعفى من العقاب المجنى عليه الذي يثبت أنه أُرغم على ارتكاب أفعال معاقب عليها في القانون أو خالف شروط الإقامة أو العمل).

إقرأ أيضًا: داعش بالموصل وبجونية كمان..

هذا الأمر يعتبره الشدياق “ثغرة” في القانون، شارحاً على سبيل المثال ان “فتيات شبكة المعاملتين بنظر القانون هنّ مرتكبات لجرم الدعارة، وسيخضعن حتما للتحقيق والمحاكمات، على أن تعفى من العقوبات كل فتاة تثبت اخضاعها للضغط (او أي من الوسائل الواردة في القانون) بغية ارتكاب جرم الدعارة”. الا انه يؤكد ان قانون الاتجار بالابشار بعامة هو جيد جداً ويصلح ليكون ارضية خصبة لتطويره.

ماذا عن تشريع الدعارة؟

يطالب كثيرون (ومن ضمنهم وزير السياحة السابق فادي عبود) بتشريع البغاء، لاكثر من اعتبار (اقتصاديّ وسياحيّ وردعيّ لجرائم الاغتصاب والاتجار بالبشر). ولكن، بحسب الشدياق، فإن “المشرع لدى انكبابه على صياغة قانون، يأخذ بعين الاعتبار مصلحة المجتمع العليا الى جانب وقائع اساسية سائدة وراسخة، فمثلاً في لبنان والدول العربية، تجرّم الاديان السماوية فعل الدعارة، وبالتالي ليس من السهل تخطي هذه الاعتبارات الرئيسية، علماً أن اكثر الدول المتحضرة في اوروبا (السويد على سبيل المثال) لا تزال تناهض تشريع الدعارة لاسباب اخلاقية وحقوقية تتعلق بالمرأة نفسها. هذه المقاربة “تتبناها” جمعية “كفى” في لبنان، اذ ورد في منشور اعدتّه عام 2014 ضمن حملة توعوية بعنوان “الهوى ما بينشرى” ان “تشريع الدعارة يعني تشريع عمل القواد والمؤسسات التجارية التي تستفيد من الدعارة، مثل السوبر نايت كلوب وبيوت الدعارة، فتصبح الدول التي تشرّع الدعارة ملاذاً آمناً للقوادين والمتاجرين بالنساء ومشتري الخدمات الجنسية. تشريع الدعارة اعتراف صريح بأن المرأة يمكن بيعها، واخفاءٌ للاستغلال والعنف المتلاصقين بالدعارة”.

(لبنان 24)

السابق
أكاديمي تركي: «حزب الله» يشرك شيعة من عدة دول بحرب سوريا
التالي
الثورة الإيرانية بعد 37 عاماً