الخليج يعاقب «دولة حزب الله».. ونحن مواطنيها

ماذا يمكن أن يفعل اللبنانيون إزاء المشكلة التي نشأت بين لبنان ومجلس التعاون الخليجي؟ من وقف الهبة ومن التداعيات الإقتصادية والمالية ولجهة المصالح اللبنانية مع هذه الدول وصولاً إلى كيف يجب أن تتعامل الدولة اللبنانية للدفاع عن مصالحها وحماية مصالح شعبها في سياق هذه الأزمة.

هذا هو السؤال الذي لم يجب عليه السيد حسن نصرالله منذ بدأت الإجراءات الخليجية العقابية على لبنان. إذ لم يقل لنا كيف سيردّ عليها. هناك مثلاً هبة سعودية للجيش جرى إلغاؤها من قبل المانح. هل لدى السيد نصرالله جواب عملي غير أخلاقي للرد على هذه الخطوة بتأمين بديل؟ هناك مخاطر إقتصادية ومالية جدية بسبب الإجراءات الخليجية العقابية على لبنان، هل لدى السيد نصرالله بدائل وتعويض غير الذهاب نحو الخطاب الإيديولوجي والنضالي؟ وهي كما يعرف الجميع، في منطق الدول، شيك بلا رصيد، لأنّ المطلوب توفير بدائل وتقديم إجابات عملية على مشاكل وأزمات واقعية. والسيد نصرالله أكثر من يعلم أنّ عبارته سنعوض كل الخسائر في حرب تموز 2006 هي أهمّ أسرار انتصاره.

إقرأ أيضاً: الخطاب السنّي لنصرالله اليوم…لم يقنع السنّة!

خطاب السيد نصرالله أمس هو خطاب لإستيعاب صدمات نتيجة أداء حزب الله، يعمل نصر الله على محاولة استيعابها وامتصاصها، بالذهاب نحو حجج دينية وأخلاقية، لكنها غير قابلة للصرف. فالبساط الذي يقف عليه حزب الله، يقع على أرضية مهتزة هي ثنائية الدولة – حزب الله. هذه الثنائية إن كانت استمدت شرعيتها من اتفاق الطائف بتشريع سلاح المقاومة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، إلا أنّ ذلك لا يلغي بديهية يصرّ السيد نصرالله على إلغائها دائماً، وهي أنّ الدولة هي المرجعية النهائية في اتخاذ قرار العلاقات مع الدول الخارجية، فيما السياسة الخاصة للأحزاب تندرج في مساحة الصراع السياسي الداخلي. ولا يحقّ لأيّ جهة سياسية، مهما بلغت قوتها أو حجمها، أن تتجاوز سيادة الدولة، كأن يستجيب حزب الله للحشد الشعبي العراقي وينتقل إلى القتال في العراق متجاوزاً الدولة اللبنانية وسيادتها.

خطاب نصر الله في اسبوع قادته
خطاب نصر الله في اسبوع قادته

هذه مشروعية الأمر الواقع التي يحاول السيد نصرالله من خلالها القول إنّه يحق له تجاوزها استناداً إلى تشخيص حزبه، فيقرّر بمفرده ما هي مصلحة اللبنانيين وما الذي يسيء إليهم. هذه العقلية إما تنم عن عدم فهم ماهية الدولة أو عن إصرار على عدم الإعتراف بلبنان وعدم احترام شروط الدستور والقانون وبالتالي مفهوم سيادة الدولة.

فالذي يريد أن يواجه دول الخليج لا يستطيع الإكتفاء بالذهاب إلى الخطاب الإنشائي. فالعلاقات بين الدول تحكمها والمصالح وليس الأخلاق. ولو كان العكس صحيحاً لكانت إيران رفضت الجلوس مع الشيطان الأكبر ورفضت فتح بلادها لشركات الغرب الرأسمالية.

المجال الأخلاقي في العلاقات بين الدول ليس هو المقرر، أيّاً كان رأينا في أنظمة الخليج وكل الدول العربية. ثمّة قرار خليجي اتخذ ضد لبنان. تلك دول اتخذت قرارات تمليها عليهم مصالحهم كأنظمة ومجتمعات. وسيدفع الشيعة ثمناً اقتصادياً وسياسياً: فماذا لديك لتقدم إزاء هذه الخطوات؟

القرار الخليجي له انعكاسات خطيرة على لبنان، والطائفة المسيحية في لبنان أكثر طائفة مستفيدة من هذه العلاقة مع الخليج، واستحضار التفجيرات إثر حرب البوسنة، وتقديم مواجهة حزب الله داعش في تبرير موقف حزب الله من السعودية، لا يقدم اجابة شافية لنظام المصالح اللبناني، وتحديداً المسيحي. خصوصاً أنّ خطاب السيد نصرالله لا ينتمي إلى خطاب رجل الدولة، الذي يراعي مصالح المواطنين والدولة عموماً، بل يراعي المصالح الحزبية والرؤية الإيديولوجية الخاصة التي لا تتطابق أو تتقاطع مع مصالح اللبنانيين عموماً. هذا النمط من الأداء علامة إخفاق وأزمة عند حزب الله وتعبير عن عجزه في مواجهة أسئلة عملية تواجه الدولة اللبنانية اليوم.

إقرأ أيضاً: لماذا عقوبات «التنابل» مؤذية لحزب الله؟

لا يستطيع حزب الله أن يقول: “عاقبوني ولا تعاقبوا اللبنانيين”. إذ لا يمكن لحزب الله أن يكون له دولته الخاصة ونظام مصالحها الأمني والعسكري الخاص، فيخترق مفاصل الدولة اللبنانية ويتحكم بقراراتها ثم يطالب الآخرين بالفصل بينه وبين تلك الدولة ومصالح مواطنيها. هذا كلام غير واقعي ولا علاقة له بالسياسة. الحكومة اللبنانية لا تستطيع أن تتصرف من دون إذنك وبالتالي نحن في لبنان دخلنا في أزمة أعمق من أزمة دولة داخل دولة إلى مأزق تحكم “دولة حزب الله” بالدولة اللبنانية من دون أن تتحمل “دولة حزب الله” أيّ تبعات ومن دون أن تقدّم أيّ إجابة عملية لأزمة علاقة لبنان بدول الخليج اليوم.

السابق
محمد رعد: لا أحد يريد منا أن يقلب الطاولة
التالي
إن كنتم تملكون أحد هذه الهواتف استبدلوها لأن الواتسأب سيتوقف على أنظمتها!