العلاقة بين البلديات وبناء الدولة المدنية وثيقة جدًا. تنطلق هذه العلاقة من شكل الإنتخابات البلدية ذات الطابع المدني، فيحق لأي مرشح وبغض النظر عن طائفته بأن يترشح في البلدة التي يوجد إسمه على لوائح الشطب التي تتبع لها. كما يحق لأي فريق بأن يُشكلَ لوائحه بدون أي إعتبارات طائفية أو محاصصةٍ ما، يُلزمه بها قانون الترشح للإنتخابات البلدية. كما يتتابع بناء الدولة بعناصر عديدة تتعلق بدور البلديات الإنمائي المرتبط بنوعية البلديات المنتخبة، يحث يُجسد الإنماء صورة عن حُسن إختيار أبناء البلدة لأعضاء بلديتهم. لا يتوقف حسن إختيار البلديات عند هذا الحد، فقد تتبعه عملية خلق ذهنية جديدة عند المواطن اللبناني عبر المطالبة بما هو أبعد من البلديات في سياق بناء الدولة المدنية. هنا يأتي الحديث عن عملية إخراج البلديات من الحسابات العائلية الطائفية إلى الحسابات الإنمائية، فيبدأ التقدُم أكثر نحو الخروج من مبدأ المعركة البلدية العائلية ذات الطائفة الفلانية، إلى مشروع البلدية وعلاقته بتأمين حاجات البلدة الأساسية والمُستعجلة.
إقرأ أيضاً: نعم…الإنتخابات البلدية حاجة مُلِحّة
لا يرتبط دور البلديات اليوم بحدودها الجغرافية فقط، فيُشَكِّل المحيط الجغرافي لها باب من أبواب التعاون والإنفتاح كما التكامل على مستويات عدة، وهنا تتشكل “إتحادات البلديات”. هذه الإتحادات عبارة عن تجمع لعددٍ من البلديات للتعاون في سبيل خلق تكامل إنمائي ضمن بقعة جغرافية واسعة تشمل مجموع البلديات المنتمية لكل إتحاد، وبغض النظر عن الإنتماء الطائفي للبلدات المنتمية أو لأعضائها. يُشكل هذا التكامل المحلي الجغرافي-الإقتصادي-الإنمائي لمجموع البلديات مستوى جديد من مستويات الإنماء المحلي المدني والغير مرتبط بحسابات طائفية.
تُعتبر البلديات والإتحادات البلدية المنطلق الوحيد اليوم نحو بناء الدولة المدنية، الدولة بمعناها الحقيقي والتي تتضمن مقومات تتقدم على الحسابات الطائفية التي تشكل الأولوية عند الطبقة السياسية الحالية.
إقرأ أيضاً: البلديات حتمًا هي البديل…
لذلك يجب أن نعمل اليوم وبأكبر جهد ممكن على التوعية في إختيار نوعية جيدة من المرشحين لهذا المركز الحساس جدًا، في بلدٍ أثبتت فيه التجارب بأنَّ المخرج الأوحد اليوم هو تعزيز دور الحكم المحلي اللامركزي، حتى بلوغ حلم بناء الدولة.