من الهولوكوست الى مضايا(2): حزب الله يتقمّص المعتدي الاسرائيلي

مضايا
أفرز المجتمعُ الإسرائيلي قياداتٍ إجرامية توحّد بها الشعبُ والجيشُ معاً. وهذا التوحّد بالقائد يمكن تلخيصه بإسناد كل وظائف "الأنا الأعلى" - أو الضمير الشعوري الذي يقوم بالضبط والربط داخل النفس - الى القائد الذي عن طريقه يتمّ توحّد "الأنا الفردي " لدى كل فرد، بغيره من الأفراد.

أبرز القيادات التي تمثّل نموذجاً صارخاً في التوحّد بالمعتدي من القتلة النازيين، هي شخصية “مناحيم بيغن” الذي كان يتزعّم عصابات “الأرچون” التي ذاع صيتها بالفتك بسكان القرى الفلسطينية، رجالًا ونساءً وأطفالاً، وشخصية “موشي ديان” الذي نجح في تقمّص الروح العسكرية النازية بما تنطوي عليه من صلفٍ وخيلاء وعدوان وغيرها من الصفات ذات الطابع المَرَضي البارانوي؛ وشخصية “آرييل شارون” صاحب السجّل العدواني الأسود، والمسؤول عن إرتكاب عدة مجازر، وعن قمع الإنتفاضات الفلسطينية، وتوسيع رقعة المستوطنات اليهودية.

اقرأ أيضاً: من الهولوكوست الى مضايا(1): الضحية هو الجلاد

وقد إنتقلت عدوى التوّحد بالمعتدي، الى معظم أفراد الشعب اليهودي الذين وفدوا الى إسرائيل من أصقاع الدنيا، بواسطة ” التعاطف اللاشعوري” مع القصص والروايات التي رواها الضحايا الذين قاسوا قمع وظلم “الجستابو”، وتجربة معسكرات الإعتقال النازية التي عمل اللوبي الصهيوني في العالم، على المبالغة في سرد أهوالها، وفي تضخيم أعداد الذين قضوا في “الهولوكوست” الذي تحوّلت جرائمه الى أسطورة جديدة من الأساطير المؤسّسة للسياسة الإسرائيلية، التي يحرم إنكارها أو التشكيك في حدوثها.

اقرأ أيضاً: #مضايا: «صورة المقاومة» يا حزب الله؟ صورة المقاومة؟

وقد أصبح ذلك “التوّحد” الذي اكتسب “شرعيّةً” شعبية، الرباطَ الذي جمع شتات المجتمع الإسرائيلي، وأخفى تناقضاته الثقافية والحضارية واللغوية، والذي منح أفراده شبه هُويّةٍ مستقرّة، هُويّةٍ كانوا يفتقرون إليها، وانتزعوها على نحوٍ غير منتظرٍ، وتعلّقوا بها عبر إعلان ولائهم لدولة إسرائيل – وليس لبلادهم التي يستوطنونها ويحملون جنسيتها – وهذا الولاء يعني سيكولوجياً “التوّحد” بالمتوحدين بالمعتدي، أي أولئك اليهود الذين حصلوا على هُويّةٍ نازية كاملة ساعدتهم على التخلص من الصورة النمطية التي كانت سائدةً لعدة قرونٍ في تاريخهم القديم، عن شخصية اليهودي التائه الذليل الخانع؛ والتي شرّعت لهم إنتهاج سياسة الغزو والقتل الوحشي، مع العرب، والمبادرة الى الإعتداء عليهم وتهجيرهم وترهيبهم ونشر الخوف والرعب في قراهم، حمايةً لأنفسهم من الشعور بالخوف والرعب والقلق الذي هو عنصرٌ أصيل في عملية “التوّحد بالمعتدي” التي من خلالها يثبت اليهود لأنفسهم، أنهم ما زالوا الطرف المعتدي، وليس الطرف الخائف المذعور المعتدى عليه الذي يفتك به الناس في كل مكان.

مضايا

ومن هنا إكتسبت قضية إرتفاع الروح المعنوية لدى أفراد المجتمع الإسرائيلي، أهميةً كبرى، ذلك أنّ إنخفاض هذه الروح، ينذر بخطر تحطيم تلك الهُويّة المستعارة التي مكّنت الإسرائيليين من أن يتصرّفوا ويسلكوا وكأنهم أقوياء لا يهابون مواجهة الأخطار؛ والتي محضتهم قدراً من شرعية الوجود. ولهذا السبب يعتبر البعض أنّ “حالة السِلم” هي أشدّ خطراً من ” حالة الحرب الفعليّة” التي تحقق للإسرائيلي عدة أهداف:
أولاً، لأنها تحرّض يهود العالم على التكاتف والتضامن لحماية دولة إسرائيل من الأخطار المحدقة.

ثانياً، لأنّ الإنتصارات التي حققها، ويمكن ان يحققها الجيش الإسرائيلي الذي تكوّن في الأساس من مجموعة التنظيمات العسكرية والعصابات الإرهابية المسلّحة، تعزّز نرجسية الإسرائيلي وهُويته الزائفة الهشّة، لأنها تتضمّن “إعترافاً” به وبتفوّقه، بإعتباره “السيّد” المنتصر، لا “العبد” المهزوم”؛ والطرف الذي يمتلك القوة والجرأة للإعتداء على الآخرين، لا الطرف الضعيف الخائف الذي يتمّ الإعتداء عليه.

ولذلك، فإنّ أهمّ وظيفةٍ لأيّ طرفٍ يدخل في مواجهةٍ عسكرية مع الإسرائيلي، هي تقديم إعترافٍ يؤكد “شرعيّة” وجوده التي يشعر في صميمه، أنه مفتقد اليها على الدوام.

انطلاقاً من هذه المعطيات التحليلية السيكولوجية التي تتناول المجتمع الإسرائيلي العسكري المتعصب المكوّن من لونٍ طائفي واحد، الى أيّ حدّ يحقّ لنا إجراء المقارنات، والسؤال عمّا اذا كان جمهور “حزب الله” – ولا نقول الشيعة في لبنان – قد تحوّل الى ظاهرةٍ تحمل كل عوارض وأمراض المجتمع الإسرائيلي، وعمّا اذا كان بحاجةٍ الى دراسةٍ نفسية معمّقة لفهم الآلية أو الكيفية التي تحوّل بها طابعُ “هُويّة الأنا” للشيعي المؤيّد لحزب الله – وخصوصاً من أبناء المناطق التي ظلّت محرومةً ومستباحةً ومحتلّةً لسنواتٍ طويلة من العدو الإسرائيلي – من شخصٍ يرفع شعار “المظلومية”، الى شخصٍ يمارس “العدوانيّة” براحة ضمير؛ من معتدى عليه الى معتدٍ؛ من مقتولٍ الى قاتل؛ من مقاومٍ الى غازٍ؛ من شخصٍ مغلوبٍ على أمره يطالب بالتحرّر والعدالة، الى شخصٍ يناصر طاغيةً ويحتلّ أراضي الغير؛ من شخصٍ كان يعلن باستمرار أنه يريد إستئصال إسرائيل من الوجود، الى شخصٍ مغيّبٍ عقلياً ومخدّرٍ أخلاقياً يفرح بحصار الأبرياء ويشمت بتجويعهم!

فهل توحّد “حزب الله” بالمعتدي الإسرائيلي، وتقمّص كل أساليبه القذرة في قتل العرب، عدّوهما المشترك؟ وهل تماهت البيئة الحاضنة لحزب الله، مع البيئة الحاضنة للجيش الإسرائيلي، في صلفها وعُقدها وساديتها وتخليّها عن الضوابط الأخلاقية والقيم الإنسانية والدينية؟ وأيّ إنتصارٍ وهميّ هذا الذي يحققه “حزب الله” في حربه القذرة على الجياع والمحاصرين في مضايا، وفي تهجيره أهل الزبداني وتدميره القصير ومشاركته في قتل السوريين؟

اقرأ أيضاً: تجويع مضايا والمشروع الإيراني في سوريا

إن كان الحزب يسعى الى سرقة صورةٍ “نرجسيّة” للذات، ويستميتُ لتأكيد “شرعيّة” لوجوده، عبر إنتصاراتٍ وهميّة مدجّجة بأساطير الأولين.. فقد خاب ظنه، وحبط عمله، وضلّ سواء السبيل.

السابق
حزب الله من خلدة لحاصبيا: الشيخ ماهر حمود المرجع.. والسعديات نموذجاً (2/3)
التالي
إقفال مطبخ الاخلاص وفرن وملحمة الزهراء في الغازية‎‏