معرض الكتاب الـ59: شعر رخيص وورق غال وعلاقات لزوم «التواقيع»!

نتيجة الغلاء الفاحش، وقلة الموارد، والبطالة، وسوء الأوضاع الإقتصادية يُحجم عدد كبير من الجمهور عن شراء الكتب إلا الضروري منها.. لذا إخترع الأدباء والشعراء ودور النشر فكرة التواقيع.. فما هي هذه الفكرة؟

لم تصدر اللائحة السنوية عن إدارة معرض الكتاب العربي والدولي في بيروت الـ59 حتى اليوم لنتبيّن حجم المبيعات والكتب الأكثر مبيعا، لكن الإحصاءات السنوية التي صدرت سابقا تؤكد ان المسار هو الإنحدار نحو الهاوية على مستوى القراءة والمطالعة وانعدام الإهتمام بالكتب الفكرية والثقافية والأدبية، والتركيز على الكتب الدينية، إضافة الى فن الطبخ والأبراج ، وتلك التي تهتم بالوصفات الغذائية والريجيم والجمال، في زمن لا همّ لنا كلبنانيين يعلو فوق همّ التعصب والتزّمت والتشدّد.

اقرأ أيضاً: أحمد بزُّون… وملحميّةُ الاحتفاء بالجسَد الأُنثويّ…

من هنا ربما جاءت فكرة التواقيع، الفكرة التجارية، التي تزداد يوما بعد يوم في ظاهرة غير صحيّة، بل إستثمارية للعلاقات التي يبنيها المثقف سواء أكان الموقّع شاعرا أم كاتبا أم سياسيّا، أم أستاذا جامعيّا…

وهذه الفرصة الذهبيّة السنوية للبنانيين، أي المعرض، لا تتلاقى دوما مع رغبات هواة القراءة ومدمنيها لأسباب عدة منها: الغلاء الفاحش في أسعار الكتب، إضافة الى صعوبة المواصلات والمسافة الطويلة التي على القارئ إجتيازها للوصول الى مكان يفترض انه يقع في وسط العاصمة بيروت.فبدل النقليات مُكلف، ويساوي شراء عدد من الكتب. فاذا احتسبنا زيارتين فقط الى المعرض، فسوف يتكّلف فيها الزائر الواحد ما يصل الى 40 ألف ليرة.

واللافت في أمر المعرض ليس فقط سوء التنظيم والـ(دويخة) في ترتيب دور النشر، بل أيضا سوء الإعلان لأسماء الدور هذه، رغم ان تكلفة المتر المربع الواحد للاشتراك مُبالغ فيها- وقد عبّر بعض أصحاب الدور عن إستيائهم من ارتفاع الإيجار- وقد ظهر ذلك جليّا في اللوحات الصغيرة الحجم المعلقة أعلى مداخل الدور.

ورغم ان للأزمة السورية دورا سيئا في حجم المبيعات، والتي أثرّت كثيرا على لبنان، لكنها أتاحت مشاركة كبيرة جدا لدور نشر سورية تفوق العام الماضي وما قبله، اضافة الى دور نشر تركية وإيرانية، لكن كل ذلك لم يُخفف من سوء التنظيم الذي ضيّع الجهود كلها.

معرض الكتاب العربي

وتبقى القضية الأبرز هي ارتفاع أسعار كتب شعراء مبتدئين، حيث ان سعر أحد الكتاب قارب الأربعين ألف ليرة لشاعر مغمور، فتح باب التوقيع على علاقات تتسّم بإحراج المدعو لإخراج ما في جيبه !.. وهلمّ جرا من تواقيع نثرية وشعرية لا تحمل سوى المفردات الإباحية القليلة في صفحات خاليّة من الإبداع، الذي لا يمكن ملاحظته الا في شكل الشاعرة وهندامها، أو في صفاقة الشاعر وعلاقاته ونزقه المفرط…علما ان عددا من الشعراء المعروفين خفضّوا أسعار إصداراتهم الى الحد الأدنى، لأنهم يدركون أن المهتمين بالمطالعة باتوا عملة نادرة.

فهل بات الشعر بابا للعلاقات؟ أم ان العلاقات باتت مدخلا لطباعة ديوان شعر، سعر الورق فيه أغلى وأثمن مما يحويه من كلمات؟ وهل يأتي استسهال كتابة الشعر كمنفذ لمن يود دخول عالم المثقفين حيث لا حسيب ولا رقيب؟

فالغياب الفاضح هذا العام للأسماء الكبيرة، والفوضى واللاتنظيم، ما يدعو وزارة الثقافة واقيّمين على معرض الكتاب، الى لملمة ما سطرته شيخوخة من يُشرف على هذا المنتدى الأعرق، وهم مدعوون الى مراقبة الأسعار، إضافة الى أشياء أخرى لا يهتمون فيها أبدا.

اقرأ أيضاً: «زوجة لرجلين»… لتحقيق العدالة الاجتماعية

ويبقى انه من واجب دور النشر المعروفة والعريقة على الأقل ان تهتم بالمضمون الذي يقع بين دفتي أي مطبوع، والتركيز على انهاض الناس من كبوتها حتى لا نظل نكرر مقولة ان الإفلاس يضرب دور النشر. فالكاتب العظيم يجلب قرّاء عظماء. كما انه ليس من حق كل متمول اصدار كتاب باسمه يُزين به الـ(فيزيت كارت) الخاصة به.

السابق
ندوة لمجلة «شؤون جنوبية» و «تجمع لبنان المدني» بعنوان قراءة في «تجربة الحراك المدني في لبنان»
التالي
«إسرائيل» تدخل سورية من باب التخبط الروسي