الفردية المنقرضة في مواجهة الشموليّة الدينية السائدة

الشموليّة وأداتها الجماعة هما الإطار، والأفراد داخلها هم جيش من النمل يسير بانتظام كالجيش الكوري الشمالي مثلا، حيث لا يحيد الرقم من مكانه كي لا يُنبذ ويصير طعاما للكلاب. نصير كلنا أرقاما وألوانا موّحدة في سبيل هدف هو إقلاق العدو. فمتى الخروج من شرنقة الشمولية الى نعيم الفردية والحرية؟؟

فلسفة القطيع التي يُتهم بها أبناء ومواطنو الشرق عموما أساسها الفكر الديني وهو ليس بالضرورة السماوي. فالأديان ولكونها في جلّها نزلت في الشرق لابد أنها تجذّرت في عقليّة ونفسيّة وسلوكات المجتمعات الشرقية بدءا من الشرق الأدنى وصولا الى الشرق الأوسط. وهناك من سيقول ان ديانات الصين معظمها غير سماوي بل إنسانوي. لكن فروض الطاعة المُلزمة للمؤمنين في طيّات كل دين وأوامره تؤدي الى الطريقة السماوية نفسها التي تعتمد على الوحي والتأليه والغيب، التي وجدت مقتضاها في طبائع أهل الشرق وحياتهم نظرا للظلم الذي مرّ على شعوب هذا الشرق بشكل كبير.

والشرق كلمة لها معناها الرائع والجميل، وهي عكس الغرب، لكن هذا الشرق المتراخي في ثورته ربما تعب، وكان لديكتاتورييّه ان يجدوا مأوى سلطتهم فيه.

هذه المظلوميّة العامة الكليّة، والتي تتكرس بقوة الظالم وبطشه تحتاج الى حركات خلاص وثورة، غالبا ما كانت حركات الخلاص هذه تُكرر سيطرة السلطة الجديدة وظلمها، وتُعيد انتاج البطش بأشكال أكثر عنفا. انه توارث سلطويّ على شعوب نشيطة نشاط الشمس الساطعة في الصيف على الدوام.

والغريب ان طقس المتوسط لم يُشكّل يوما دعوة خارجيّة للمواجهة والمجابهة على عكس ما هو مفترض من مناخ جاذب للتحرر!!.

وما يجده المرء من فلتات شوط في هذه الدولة او تلك ليس إلا ثورة لا تتأخر كثيرا في دخولها النظام العام والشموليّ على غرار نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية مثلا – أحدث ثورة في القرن العشرين- هذا النظام الذي قام مقام أعتى ظالم، ولكنه سار في ركب فلسفة ولاية الفقيه الديكتاتورية الدينية، بمعنى من المعاني، نظرا لإستخدامها الفتوى الدينية في كل الشؤون حتى السياسية منها.

ثورة الايرانية

مع العلم ان فكرة ولاية الفقيه هي فكرة سياسية بقالب ديني، بهدف منحها القوة التي لا يمكن ردعها. فالفقيه له سلطة إلهية، والولاية لها قدرة فائقة مُستمدة من عصمة الأئمة. والقائل بها ومخترعها لم يكن يوما الا أذكى رجل في الأنظمة الدينية في العالم أجمع.

وهذه الصين العظيمة، والحكم الشيوعي الحديدي، اضافة الى كوريا الشمالية وحاكمها المستبد، ولا ننسى ابدا الدول العربية بأجمعها بما فيها لبنان، الذي يدّعي الليبرالية والحرية وهو المحكوم عبر رؤساء طوائف صغار يجيّرون للحاكم المذهبيّ ما جنته فتاواهم، سواء على الصعيد الإسلامي او المسيحي ولصالح الزعماء السياسيين دوما، وعلى ذلك ثمة شواهد كثيرة خاصة خلال فترة الحكم السوري في لبنان وما بعد خروجهم وسيطرة الأحزاب المذهبية على الشارع. والأمر نفسه في مصر وسوريا والسعودية والأردن، وهلمجرا…

ففي تصويب كاميرا مراقبة بسيطة للوضع الشيعي في لبنان الذي هو صورة مصغرّة عن دولة ذات نظام ديني سلطوي- لكن لا إداراة رسميّة قائمة به- بقدر ما هو نظام تشافهيّ بينيّ يعتمد اللغة المذهبيّة للجمع والتحريك والتفاعل.

فكل نشاط مذهبي في كادر الإجتماع الشيعي المذهبيّ هو نوع من قوة وإستعراض وتعاضد لا يفكها الا غياب الأزمات التي تهدد هذا الإجتماع بقوة. من هنا تتأتى حاجة الشيعة دوما الى شعارات “حُسينية” بالمعنى الذي يؤدي الى تأكيد فكرة المظلومية. وهذا الشعار هو نوع من درع كالجدار الفاصل يجمع، ويمنع العدو مهما كان حجمه. وكأننا به نظام في طور الثورة يعتبر نفسه مراقب على الدوام، ويحتاج لأن يبعث رسائل تعاضد دوما، وبحاجة لأن يبعث رسائل داخليّة بالقوة نفسها أيضأ.

فكل مصيبة توّحد الجميع تحت عنوانها، لهذا تأخذهم فكرة المجازر ضد الأقليات نحو الأعلى، وتمنحهم القدرة والإستطاعة، وتُخرجهم من الهامشيّة والظل نحو الإشتهار.

وخير دليل على ما أقول أمرين: هو كانتونية الضاحية، والإنفجارات التي تحصل على أهلها. وقد يكون القائمين في هذه الضاحية أو المتضررين من إنفجاراتها ليسوا من الإطار المذهبي والعقديّ نفسه، بل قد يكونون هم من خارجه، لكنهم يعودون لينضووا تحت شعاراتها ليصيروا جزءا من مجتمعهم هذا، وإلا أُخرجوا رمزيا منه ونبذا.

الفردية غير متوفرة في الكانتون، ولا الأحادية، ولا التميّز، بل الجماعة والتقليد والإصطفافية والتوجيه الدائم نحو النقطة الكبيرة السوداء في وسط الدائرة، وهذا كله نتيجة التحالف بين التيار الدينيّ والسلطة الذي ليس الا ضربا من ضروب الجهنميّة من أجل الخضوع المطلق تحت ذريعة محاربة الخارج الذي يُحيك المؤامرات، ويسعى لإقتلاع الطائفة من جذورها، وتدمير عقيدتها. فتوضع على الرف دعاوى الإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي، وتغدو المطالبة بأي أمر نوع من تشكيك ونوع من تخوين، ومد اليد خارج الصحن.

الشموليّة هي العدو، فمتى الخروج من شرنقة الشمولية الى نعيم الفردية؟؟

السابق
الأمن الخليجي… السيناريوات المحتملة وسُبُل الحماية
التالي
من هم كوادر حزب الله الـ12 الذين وضعتهم السعودية على لائحة الإرهاب؟