داوود أوغلو: التركي البارع في ثتائية الدين والسياسة

داود أوغلو
مع دخول أوغلو حزب العدالة والتنمية تغيرت نظرة الداخل التركي إلى الخارج، وفي زمن وجوده إزداد تقدّم الفكر على الرجاء والإجتهاد على الدعاء، وكل ذلك كان في زمان عرف بزمن التّحولات الكبرى في المنطقة.

رجل يستحق لقب “سيد الإنتقال”، الإنتقال من الثقافة الشّفوية البحتة إلى الإستراتيجية الإستشرافية الماورائية المتسلّحة بالنّصوص التّاريخية والتّفاعلات الحالية التي تلامس المستقبل الذي ينطلق إليه بثبات المؤمن المتمكّن العارف. يتخطّى الرمزية الدلالية للحالة الأتاتوركية باحترام، يستوعب النّزعة الإنفصالية للجماعة الكردية بدهاء، يصل حداً يجعل العديد منهم يعتقدون إعتقاداً جازماً أنّ مكان عيشهم الطّبيعي لا يكون ولن يكون إلّا في ظلّ دولة يقودها أمثاله ويكون السّواد الأعظم من ساكنيها من حزبه.

داود أوغلوما يميّز داوود أوغلو أنّه ميّال إلى الفعل، يجيد الإنعطاف، بارع في الإصغاء والتركيز، يملأ المكان حركة ويشغل الكلّ بالعمل، يجعل من الجمع صفوفا متراصة يؤمّهم بخشوع، يؤدّي فريضةً تهذّب النفس وتثبتهم على الإيمان، حتى أنّه عجباً وبعكس ما اعتدنا عليه من رجالات الأحزاب، فلم يرد على لسانه في الخطابات والمحاضرات التي يلقيها في كلّ مرة عبارة عقيدة أو أنّه يقود حزب عقائدي إنّما دأب على تكرار كلمة إيمان ومؤمنون وتؤمنون وأؤمن في لقاءاته أكثر من مرة.

أحمد داوود أوغلو ظاهرة متقدّمة تعيش وسط وعي شعبي كبير وعظيم قلّ نظيره في هذه الجغرافيا من العالم، وعي فيه إدراك وإصرار وإقبال وإبداع وبحث عن كل ما يحافظ على إستمرار الرغد الذي تحقّق والأمن الذي تأسّس وأرسى قواعده حزب العدالة والتّنمية في تركيا، وعي يمكن وصفه بأكثر صور القومية وضوحاً منذ ما بعد إنهيار السلطنة العثمانية وقد تكون أكثر قوميةً من تلك التي إدّعاها أتاتورك.

وللعاقل هنا حق المقارنة أو المقابلة أو المطابقة بين تجربتين حقيقيتين شغلتا حيّزاً مهمّاً في هذا الشّرق وأثّرت في شعوبه، أحدها هي تلك الثّورة التي قادها سیّد روح‌ الله الموسوی الخمینی وأفضت إلى الجمهورية الاسلامية التي نعرفها الآن، والثانية هي هذه الحالة التي إنشغلت في تفسير وسحب اللافهم والعنصرية والماضوية التي عصفت بها وانطلقت نحو الحكم فوصلت وأوصلت الناس إلى دولة العدالة والتنمية في تركيا.

إقرأ أيضاً: داود أوغلو للأسد: «قادمون»

داود أوغلوإنّه لمن غير الجائز أو المقبول منطقياً أن نبقى نسمع نفس الترددات الصّوتية منذ أكثر من ستة وثلاثين عاماً، مفردات وعبارات تساق في جملٍ خطابية تمتزج فيها الرسائل الإلهية بالروايات الإنسية، وهي بالأغلب فقدت معناها الأصلي وباتت تشير إلى غير معنى. في حين أنّ صوفية سعيد بران والشيخ بديع الزمان النورسي (الغير معروف مكان دفنه بعد إغتياله) أعادت للعبارة معناها الأصلي، وسلّمتها بوطنية إلى رجل الأخلاق عدنان مندريس ومنها إلى الشيخ نجم الدين أربكان وقوطان، الذين أسلموا التّحركات في مرحلة ما، ليأتي بعد ذلك من بينهم تلميذا أربكان رجب طيب أردوغان وعبدالله غول ومعهما إلى أحمد داوود أوغلو الذي سيحتل نظراً لأفعاله الزمان والمكان في المرحلة المقبلة وتوضيحاً سيطلق عليه إسم الزمكان تيمّناً بمصطلح أينشتين.

قد يكون القول أنّ حكم تركيا بشكل منفرد فيه مغامرة، صحيح، ولكن ما هو أصح وأبقى أن من يملك شعباً مدركاً متنوّراً وعاقلاً يعرف كيف يختار حاكماُ صالحاً فانياً غير خالد ويملك دائماً القدرة على أن يلجأ إلى حيلة الإستيلاد الدائم، يربّي ويحافظ على ذريّة قادرة على الفصل بين تجربة الموروث وثقافة المعقول وعلى التّمييز بين الماء الراكد، والنهر الجاري الهادر هذا الذي يضيف إلى نفسه مزيدا من القوّة والتأثير كلما ازداد جريانه.

إقرأ أيضاً: داود أوغلو: تركيا تعارض تنظيم «داعش» والاسد على حد سواء

السابق
السبب وراء إقفال إيران KFC الذي افتتح قبل ثلاثة أيام في طهران!
التالي
نساء لبنان يقتحمن سوق العمل…والرجال ينكفئون‎