لماذا «الموت لأمريكا» الآن؟

يساوي المضمون “المفاجىء” لكلمة أمين عام حزب الله حسن نصرالله ليلة العاشر من محرم، مفاجأة إطلالته المباشرة على جمهوره، ما لم يزد عليها.

بدا نصرالله وقد عاد الى ثمانينيات القرن الماضي وخطابها حين كان حزب الله يقارع الشيطان الأكبر، في شباب الثورة الايرانية. لم تحضر “أمريكا” في السنوات الماضية بالكثافة التي حضرت فيها في خطاب نصرالله ليله العاشر من محرم، على وقع هتافات “الموت لأمريكا”.

فلماذا استحضرها نصرالله بشكل هيمن على مجمل مضمون الخطاب؟

لا يجوز الفصل بين الاستحضار وبين التوقيت.

فهذا اول خطاب تعبوي يلقيه نصرالله بعد اعلان المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية في إيران عن موافقته على الاتفاق النووي من دون اي تعديل، والأمر بتنفيذه، رغم عمق الخلافات الداخلية في ايران والتي وصلت حد تهديد احد النواب لوزير الخارجية محمد جواد ظريف “بقتله وصب الباطون عليه” في إحدى منشآت البرنامج النووي!!

فالثرثرة حول إنتصار إيران في مفاوضاتها النووية تفضحها العودة الى سجل التراشق الإيراني الإيراني حول مخاطر الاتفاق على ايران وأسس نظامها الثوري، بل الاعلان المتكرر عن إمتعاض المرشد منه ورفضه له… ثم الخضوع مرغماً لحاجات إيران لهذا الاتفاق! بدا نصرالله وكأنه يمد يد العون لخامنئي، بقوله من بيروت ما لا “جمرك” حقيقياً عليه في العلاقات الدولية، ولكن ما هو مطلوب وضروري لصيانة عملية هضم الاتفاق.

التصعيد من بيروت مكابرة إيرانية خالصة ومحاولة يائسة للقول إن ما بعد الاتفاق، كما قبله بالنسبة لثوابت الثورة وعقيدتها وخطابها ومعركتها. ولأنها مجرد مكابرة بدت كثافة الحماس، “للموت لأمريكا”، مضحكة أكثر من أي شيء آخر، وشديدة الانفصال حتى عن ما يجري في ايران نفسها!! هل يذكر نصرالله وجمهوره أن الرئيس حسن روحاني قال في مقابلة تلفزيونية مع واحدة من أبرز المحطات التلفزيونية الشيطانية، إن شعار “الموت لأمريكا” الذي يردده الإيرانيون ما هو إلا “شعار” للتذكير بالأزمات المتعددة منذ 35 عاما بين طهران وواشنطن!! هل يناسبه ان ينتبه أن المساجد أزالت شعار «الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل» وبدأت التخلي عن الهتاف به خلال الصلوات اليومية، بحسب ما كشف القيادي في ميليشيات الباسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني، العقيد برات زادة.

الحقيقة أن الاستعادة في بيروت هي بدل عن ضائع في إيران، وهي لتطمين من ينبغي تطمينه في لبنان وفي ايران، من أن ظروف النشأة هي نفسها ظروف الاستمرار. وهي اولاً وأخيراً لتبييض صفحة خامنئي الذي يدير واحداً من أعقد التحولات ولحظات التوريث في تاريخ نظام الجمهورية الاسلامية.

أما السبب الثاني الذي دعا نصرالله للتركيز على أميركا، بعد إثني عشر عاماً من علاقات “التعاون والتنسيق” بين طهران وواشنطن في العراق وأفغانستان، وادارة دقيقة لتشابك مصالح البلدين وتقاطعها، فهي تخص ارتباكه وإيران امام جمهورهما حيال تطورات الوضع الميداني في سوريا.

إحتاج نصرالله لعنوان يشوش جمهوره ويغطي على سؤال لا يملك حياله جواباً واحداً يحترم دماء من تبذل دماؤهم في سوريا. فهو حين يهاجم أميركا إنما يبتغي كنس هذا السؤال بعيداً. كيف يقاتل حزب الله في سوريا بغطاء جوي روسي منسق مع تل ابيب؟

هذا سؤال مركزي يحتاج الى كل الصراخ في وجه “أمريكا” للتغطية على صداه في عقل وضمير ووجدان حسن نصرالله، وهو يعرف ذلك تمام المعرفة.

كل البقية حشو ولغو وثرثرة!

(المدن)

السابق
… بالعودة إلى «الأقليات» في سورية والمشرق
التالي
التحكم المروري : قتيل و 14 جريحا في 8 حوادث خلال ال 24 ساعة الماضية