عن «لاجئتين» قهرتا ذلّ الغربة وجهل التقاليد…

في أروقة مركز "عامل" في عين الرمانة ثمة ازدحام نسائي نسائي، شابات نشيطات، ضحوكات، لا يظهرعليهن بؤس الترحال واللجوء والغربة، بل بَدونَ لي لبنانيّات عاملات في زمن الشعارات الكبرى .. تعرفت خلال جولتي على كل من شذا الآتية من بغداد، ومنى الآتية من حمص، وتحولت الجلستان الى نوع من دردشة صديقات. فماذا أخبرتني شذا الأم الجميلة المرتبة، والتي واجهت عقلية رجعيّة؟ وماذا حملتني منى السورية من هموم ؟

شذا لاجئة من العراق، تروي قصتها فتقول «خرجت من بغداد 2005 والمشكلة ان ما حصل من تقسيم وطائفية وخطف هو السبب، فأنا إمرأة متزوجة وعندي ولدين، وقد تعرض أحد أبنائي للخطف على يد أحد المسلحين وهو بعمر تسع سنوات، وعملت جاهدة لتخليصه من الخاطفين، كما ان زوجي كان مفقوداً، وقد طلب الخاطفون ما يوازي 30 ألف $، وإضطررت بعد تحرير ابني من الخاطفين الى هجر البلاد، علماً انهم من أبناء طائفتي، ورفضت أن أبقى داخل العراق.

هربت الى سوريا وبقيت هناك 6 أشهر. وقد شعرت بضغط ضدي كعراقية وبعنصرية رهيبة وحقد غير عادي.كان الحقد موجودا في سوريا ضد العراقيين ربما لأن العراقي أخذ الشغل والمنازل من أبناء البلد السوريين.

ولكن في لبنان على العكس من ذلك، لم أشعر بالتمييز، فصدفة إلتقيتُ في دمشق بسيدة عراقيّة نصحتني بالذهاب الى بيروت حيث قصدت مكتب السيد محمد حسين فضل الله، الذين ساعدوني وإحتضنوا أولادي.
وفي العام الى 2009 سجلت اسمي في المفوضية العليا للاجئين حيث بدأوا يدفعون لي نصف إيجار المنزل. وسكنت في منطقة الشياح، وبالصدفة تعرّفت الى مؤسسة “عامل”.

تقدمت بطلب الى “عامل” وتعلمت مهنة الإكسسوار، وبسبب حبيّ للعمل تسلمت ملف اللجنة النسائية بعد7 أشهر فقط، ورغم اني كنت أعمل في الحضانة المنزلية، وممرضة، وجليسة أطفال أو كبار سنّ لأجل إعالة أولادي، الا أنني إنضممت في العام 2009 الى “عامل”, وجاء دخولي اليها ليغيّر حياتي كلها.

فبعد عام 2009 ظهر زوجي، لكنه ظل في العراق، وكان يزور بيروت حيث أنه رفض عملي كليّا رغم إعالتي لعائلتي، فكان عنيفا معي، يضربني بقساوة حين يزورني في بيروت، ومع هذا ظللت أعمل رغم كل الضغوط ورغم تدنيّ الراتب والبدل المالي الذي كان يترواح بين 50 الى 100 دولار.

وكان ان أوقفت المفوضية إيجار المنزل والمساعدات بسبب عملي، لكن ظل أهلي الى جانبي ولم يتركوني، بل ظلوا يرسلون لي الأموال لأدخل أولادي المدارس.

في الوقت نفسه، كنت قد بدأتُ أعمل مع الهيئة الطبيّة الدوليّة في مجال التثقيف الصحي للعراقيات. كما أوكلتني المفوضية العليا للاجئين بمهمة الوصول الى العراقيات، وتدليلهم على المفوضية، وصرتُ في الوقت عينه مسؤولة عن الحضانة في مؤسسة “عامل”، واستطعت ان أوّفق بين عملي وحياتي الخاصة وأولادي حيث كان الجميع يستغرب مهمة التنسيق دون أي تقصير بين العمل والمنزل.

“دخلت قسم الإكسسوار عبر مشروع “من هي”، وصرتُ في قسم الإنتاج، حيث نتابع الطالبات، ونختار المُبدعة، ونحوّلها الى قسم الإنتاج، ونوّزع الأموال بعد البيع على السيدات”.

وتقول شذا بصراحة: “مؤسسة عامل أفديها بدمي، فهي كمؤسسة ساعدتني في تحسين علاقتي بزوجي حيث تغيّر معي، وغيّر تعامله عبر ثقته بي. وبفضلها، وعبر المرشدة النفسيّة ساعدوني على التغيير، وساعدوا أولادي ايضا”. “كنت أساعد السيدات في حضانة عامل، ومنهن الطالبات خلال الدوامين الصباحي والمسائي واللواتي يتعلمن مهنة ما اللواتي يعمل أزواجهن ولا أحد يضم لهن أولادهن. وخلال الدوامين كنت أهتم بالولد من خلال اللعب والنوم والطعام، والتلفزيون والالعاب، والقصص.. وكل يوم عندي 15ولد وقد يصل العدد الى 25 بحسب الدوام الشتوي او الصيفي للمدارس”.

وتشرح ان عملها في عامل جعلها إمرأة منتجة لا عالة على أحد، وتقول: “اتقاضى 800 ألف ليرة، حيث أهتم بتنظيم الدورات، ومسؤولة عن إرسال الرسائل عبر الوآتساب، والإتصالات.. الآن عندي غروب من 500 شخص على الوآتساب، وأقوم بأعمال السكرتاريا، وأيضا كمديرة تنسيق..”.

تتابع شذا العراقية، فتقول “منذ العام 2010 سلمتني عامل- بسبب خبرتي الطبيّة مع الهيئة الطبيّة الدوليّة- الدرس الأسبوعي الثقافي الصحي الذي ما زلتُ مستمرة تطوعا في تدريسه رغم وقف التمويل له. وبما أني أعمل مع الهيئة الطبية الدوليّة، واتقاضى بدلا ماليّا على المحاضرة، فقد تعرفت على المؤسسات الطبيّة اللبنانيّة فصرتُ أحصل على أدوية وضمادات لأوزعها على نساء المركز، وأساعد اللاجئات عبر إرشادهن الى كيفية الإستفادة من المؤسسات الدولية”.

“وانا متمسكة بهذه المؤسسة كما هي تتمسك بي، كوني نشطت في عدة مجالات، وكانت عامل قد ساعدتني أيضا على تحسين علاقتي بأهلي وأهل زوجي، مثلما ساعدوني ماديا. اما عن اولادي، فالأول تسجل في الجامعة الأنطونية ويدرس محاسبة، وهو سنته الأولى، والثاني في صف الرابع متوسط».

لاجئتين

وللاجئة السورية منى قصة أخرى أكثر مأساوية، فمنى على ما يبدو من تعابير وجهها انها لم تتقبّل بعد مسألة خروجها من بلدها وتشرّدها وهي كانت صاحبة محل بيع إكسسوار في سوريا.

فتقول بأسى: «انا من “دير الزور” أصلا، لكني من سكان حمص، أتيتُ الى بيروت، منذ سنتين أي في العام 2013، وخرجت من حمص مع ولد من أولادي، وبقيت إبنتي وزوجي، لأن دفتر العائلة قد ضاع، فعانيتُ من حالة نفسيّة صعبة، رغم ان الوضع في حمص اليوم بات آمنا، لكني لم أعد بسبب صعوبة الوصول الى عائلتي، وقد كنتُ صاحبة محل بيع إكسسوار.. لدي منزلي وعائلتي.. وصلتُ الى بيروت منهارة وتعبة، أستأجرتُ غرفة في منطقة فرن الشباك، وتعرّفت الى سيدة سورية، جارة لي، حيث عرّفتني الى مؤسسة “عامل”، وسجّلت في دورة صف إعادة التدوير، وانا بالأساس معلمة لغة عربيّة، وكنت أملك محلا لبيع الإكسسوار، ينتج مواد منزلية، وكان تعرفيّ عليهم نوع من اندماج ومحاولة نسيان».

وتتابع منى«بعد ذلك إكتشفت المسؤولة خبرتي، فحولتني الى دائرة الإنتاج، وجراء ذلك صرتُ أحصل على بدل مواصلات، وأشارك بالمعارض، وأبيع لحسابي مما يُعيننيّ كون ابني عاطل من العمل، وهو خريج قسم مختبر، لم يجد من يوّظفه حتى الان».

ولا تخفي منى طموحها قتقول «انا منذ ان أشتغلت هنا في المؤسسة بدأت أبحث عن المحال التجارية، وأجهّز موادا بحسب الطلب، لكن مشكلتي اني أحتاج الى رأسمال للإنتاج مما ساعدني في فتح باب علاقات للخروج من الوحدة، اضافة الى تواصلي مع المعارض التي أصل إليها عن طريق الجمعيّات، لاني أدرّب الصبايا في فرع حارة حريك على التطريز و”الكروشيه” وإعادة التدوير. فكانت نافذتي التي أطللت من خلالها الى المجتمع اللبناني”».

السابق
ايران تقيل اللواء همداني بسبب فشله في سوريا
التالي
اهالي العسكريين المخطوفين يقطعون الطريق عند مدخل شارع المصارف