هذا ما حدث في منى عن لسان أحد الحجاج العراقيين

الحج
روى السيد احمد الراضي وهو الحاج العراقي ضمن بعثة المرجع اية الله السيد محمد سعيد الحكيم مفصلا ما جرى في مشعر "منى" من تدافع أدّى الى كارثة الحج، فقال:

روى العلامة السيد احمد الراضي ما جرى معه ومع العلامة السيد حيدر الحسني( وهو مازال مفقودا) ونجله السيد علي الحسني ( وهو عاد الى لبنان ولايزال يعالج في مستشفى اوتيل ديو) ومع عدد من العلماء من اعضاء بعثة المرجع السيد محمد سعيد الحكيم خلال الكارثة التي جرت في مشعر منى وهنا ما رواه السيد الراضي :

بعد إكمال الوقفتين، عرفة والمشعر الحرام، وعند طلوع الشمس عند الساعة السادسة والربع من يوم العيد، بدأنا بالمشي باتجاه مخيم منى، وصلنا المخيم عند الساعة السابعة والربع، وضعنا امتعتنا وتناولنا الإفطار وخرجنا إلى رمي جمرة العقبة، ونزلنا إلى النفق المؤدي إلى الطريق 204 في منطقة سوق العرب لأننا نريد أن نرمي من أسفل الجمرة، وصرنا نمشي ونمشي، والسير يمشي بكل انسيابية، ثم لاحظت بأن هناك تجمع من قبل بعض الحجاج أغلبهم من الأفارقة يطلبون الماء من المخيمات، فقلت لأخي سيد رياض الحكيم: “سيدنا الوضع غير طبيعي وهناك من يوزع الماء على جنب الطريق”، قال لي: “انشاء الله ما في شيء، لعله سوء إدارة وتنظيم، توكل على الله”، وصرنا نمشي ونمشي،حتى تثأقل المشي، إلى أن توقف المسير نهائيا، ونفذ الأوكسجين، وصارت حالت الهلع والهياج .

 

سمعت سيد رياض يقول للحاج حازم أمامي انا لا استطيع ان اكمل الطريق، أريد الخروج،فخرج سيد رياض ومعه حاج حازم باعجوبة، كأن يدا غيبية أخرجتهما من وسط هذا البركان، ولمّا حاولت الخروج واللحاق بهم لم أستطع!

فسلمت أمري إلى ربي، وأنا في وسط هذا الموج الهادر من البشر، يأخذنا يمينا وشمالا، لأكثر من ساعة، وانا أردّد سبحانك لا اله الا انت اني كنت من الظالمين…….

منى

إلى أن صرت اول الواقفين على الأجساد المتساقطة من الحجاج، وهذا التساقط له سببان أو أكثر والله العالم، السبب الأول، التدافع والعصر والغليان والغثيان والضعف والشمس التي لا تقاوم، وقلة الأوكسجين، والسبب الثاني، هو رمي قناني المياة على الحجاج من المخيمات المحيطة، لما ترمى القنينة الماء تسقط، فينحني الحاج لكي يأخذها، فتأتي الدفعة فيسقط وهكذا…….صارت حالة التدافع والهلع، فرأيت بعض الحجاج يخرج من إحرامه صاعدا عمودا لكي ينجو، وهو عار، وبعض آخر يصعد على الخيمة، فيقرب على الخيمة، وهي من البلاستيك، فتنهار بهم، حتى أن بعض صور الضحايا بدت كالتلّ.

لما أصبحت اول الواقفين على الأجساد، رأيت من الحجاج أخلاقا وايثارا، وهم في حالات بين الموت والحياة ما حيّرت العقول، السني يسقي الشيعي ويموتا معا، ورأت المرأة تستر الرجل، والرجل يستر الرجل، رأيت أخا يترك أخاه، وينقذ أخا له في الدين لم يعرفه،صورة جميلة للإسلام والإيمان وخلق آل محمد صلى الله عليه وآله. وأنا واقف انظر الى الأجساد المتداخلة والمتشابكة بحيث لايمكن فصلها عن بعضها بالحالة الطبيعية، فكيف بحال التدافع والهلع.

كلما هممت أن أقفز مسكني حاج من خلفي متمسكا بحرامي لكي ينجو، فكرت طويلا أن امشي على الأجساد بحذر، لأنها كانت كأنها مطلية بالدهون نتيجة التعرق.

فقررت أن امشي لأنني اذا بقيت سأنهار كبقية الحجاج، خيار صعب…

خيار صعب ولحظات مؤلمة، وانا ارى من يستغيث ولايمكن الإغاثة ولا المساعدة.

الحدث في بدايته لحظات لايمكن وصفها ولاتصويرها، وهي مسافة عشرة أمتار من الاجساد، ولعلها أطول مسافة اقطعها طوال حياتي.

عبرت ولكن لم أصدق اني عبرت، واصابتني حالة ذهول ودوران، ومع ذلك مشيت حافيا منهارا، قاصدا الجمرات ،وكأني امشي على الجمر من شدة حرارة الارض،لكن لم أشعر بها.

ما أن وصلت إلى الجمرات، رأيت أخي سيد حسن صدفة فالبسني أحرام واستحيت منه أن أطلب منه النعل، رجمت جمرة العقبة، وبعدها أخذت تلفوني، واذا به خاليا من الشحن، فأخذ سيد حسن وشحن تلفوني من شاحن مع الحملة، اتصلت بالجميع،فلم يرد عليّ احد، فبكيت وتألمت، وقلت يارب نحن عبيدك وضيوفك، أكرمنا برؤيا من نحبّ!

وماهي إلا لحظات ويرن هاتفي واذا به سيد حيدر الحكيم، يسأل عني وعن باقي اخواني، أخبرته وسألته عن سيد رياض والحاج حازم فقال معي وهما بخير.

أما الأخ الكبير، السيد حيدر الحسني وولده السيد علي، فقد كنا معا، ثم افترقنا بسبب التدافع، أخبرني سيد علي بأنه بلحظة لم ير والده، وأما هو فقد طمر بالأجساد وهو عار.

فقد أحدث فيه الله امرا.

وأما والده السيد حيدر الحسني فاشهد انه كان يحب الموت، رافقته في بعثة المرجع الكبير ايه الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم مد ظله، منذ أكثر من اثني عشر سنة، دائما يردد، يارب بس ترضى عني خذ عمري، وكان لايقبل أن يعبر أحد عن ملك الموت بعزرائيل،بل يقول هو ملك الموت.

أما نجاة الأخوة سيد رياض وسيد حيدر، أظن أن هناك رعاية، ولعل وردا معينا نجاهما .

وأما المشايخ الإيرانيون الذين كانوا بالبعثة وهما الشيخ محمد رضا مؤيدي وشيخ مسلم قلي زاده قد فقدا، اما الشيخ طاهر زاده والشيخ عباس حيدري هما بخير وسلامة.

السابق
جويل حاتم تشتم «الشيعة» وتعتذر
التالي
بدء اللقاء التشاوري في دارة سليمان في اليرزة