مشاهدات ايرانية 3/3: لم نلحظ صورا عملاقة لسياسيين إيرانيين…

ايران
من مشهد، الى طهران، فقم، فأصفهان، فطهران.. دارت رحلتنا ودارت معها الملاحظات والاشارات على مجتمع متنوع غير مؤدلج، كما هو حالنا هنا في لبنان، وبالأخص لدى الشيعة، فماذا رأينا؟

في الحملة “التجارية” التي حملتني إلى إيران بعد خمسة عشر عامًا على الزيارة الأولى، لم تستطع أن تقدّم لي أية صورة جديدة كون برنامج هذه الحملة ككل الحملات الدينية مرتكز على أماكن محددة جدًا وذات طابع واحد، مستنسخ إلاّ ما خلا مشوار أصفهان التي لطالما سمعتُ عن أنها من أجمل مدن العالم.
وعندما سأل المشرف على الحملة، من يريد زيارة أصفهان كنت أنا ورفيقتي الوحيدتان اللتان وافقتا على المشوار، الذي قال عنه المشرف “ما فيها شي هي بس شمّة هوا”. وكأن الزائر ممنوع عليه أن يرى أي شيء خارج نطاق المقامات. ولأنه بسّط من شأن المشوار الى أصفهان، فإنه لم ينظّم أي برنامج خاص بنا كزوّار، وقد بلغ عددنا  12فقط. فكان أن جعلنا تحت وقع سؤال دائم “الى أين تريدون أن أذهب بكم؟”.
هذه الحملات التي تتعمد الضحك على الزوار وغشهم والتعامل معهم كما لو أنهم جهلة وآلات بين يديها، تحاول أن تُفهم هؤلاء أنّ المهم في الرحلة هي زيارة المقام .. لذلك لم يكن المشرف على علم بالأماكن السياحية في أصفهان، سوى أنه إلتزم مع الفريق المكوّن من عشرة أشخاص خارج برنامج الحملة بزيارة المدينة بعد دفعهم لمبالغ أضافية.

إقرأ أيضًا : مشاهدات ايرانية(1): إيران.. التي تخدّر الشيعة في لبنان!
وقد استنتجنا انه لابدّ لهذه الحملات من ضابط  مراقب من قبل وزارة السياحة أو الأوقاف أو المجالس الشرعية المذهبية، من الإشراف على برامجها وتصويب أخطائها ومعاينة إهمالها من اجل عدم إختيارها لأماكن السكن السيئة والرديئة، إضافة الى نوعية الطعام السيئة، علما أنهم يدّعون أن حملتهم شاملة تغطي كل التفاصيل.

فهذه الحملات لا تغطّي حتى أبسط الأمور، ويمكننا القول أن الأوتيل الذي أُنزلنا فيه لا يتعدّى النصف نجمة !

فحتى يخرج مشرف حملتنا مثلا من مسألة إطعام زوّاره لأطباق الأرز يوميا، بقي في احد المرات يسير ويفتش لساعات دون أن يحظى بمطعم يقدّم  شيئا آخر، إلا هذا الطبق اللعين. فالأرز هو الطبق اليومي وربما الوطني، والسؤال هل إيران تزرع حقول الأرز كما هو حال الصين؟ وهذا يعني ان مطاعمها لا تراعي السيّاح حيث تتنوّع الاطباق كما تتنوّع الثقافات..
.. في مسجد جمكران حيث هو مسجد الإمام المهدي، الذي يُقال انه سيظهر فيه، يقع بئر خاص بالعشاق الذين يودون إرسال رسائلهم إليه ليحققها، وهي عبارة عن رسائل مكتوبة على ورقة مطبوعة من قبل إدارة المسجد، وهذا البئر معادل لسيل الأدعية التي تُتلى في المقامات أمام الأضرحة.

إقرأ أيضًا: مشاهدات ايرانية (2/3): أنتم اللبنانيون تسرقون أموالنا
وغالبا ما تقصد الصبايا هذا البئر، وتنص الرسائل لتطلب زواجا أو تمني نجاحا أو طلبًا خاصًا، لكني لاحظت، من مراقبتي لمحيط وموقع البئر، أنّ ثمة عدد لابأس به من الرجال يكتبون رسائلهم للإمام!
وفي سوق أصفهان التجاري الكبير الضخم والرائع الذي يحمل معالم الحضارة الفارسية قديما وحديثا، ترى وجها آخرا لإيران السياسة.. إنّها إيران الثقافة والفن والجمال، ورغم إرتفاع الأسعار فيه الا أنه يشفي غليل الباحث عن الوجه الآخر الجميل لهذا البلد العريق.
والتقيت عمّن كنت أبحث عنهم … عن الأحوازيين في حديقة هذا السّوق الضّخم التي تضم تماثيل لعدد كبير من الشخصيات العلميّة العالميّة من القدماء.
الأحوازيون أو الإيرانيون العرب الذين التقيت بهم جلّهم من عنصرالشباب، وكانوا يتحدثون العربية بطلاقة رغم أنّه ممنوع عليهم تعلّم اللغة العربية في مدارسهم، وقد أخبرني أحدهم انه يدرّس اولاده اللغة العربية في المنزل.

وعن عيشهم كمواطنين قال “ممنوع تحكي أي شي”. وكذلك عبّرت سيدة في الأربعينيات من عمرها، وقد قطعت آلالاف الأميال آتية من الأحواز لتزور أصفهان عن سعادتها بلقائنا فقالت: “انا سعيدة بلقائكم …كونكم عرب”.

بمجرد معرفتهم أننا لبنانيون تحلّق حولنا مزيد من الأخوة الأحوازيون والأخوات ، ليعبّروا عن حبهم لنا بفرح. لدرجة أن أحد الأشخاص قال”نحن نحبكم كثيرا، ولكن أنتم لا”. فاستغربت الأمر دون أن أفهم مقصده. ربما كوننا اننا لا نتبنىّ قضيتهم كمستضعفين.
الجولة الإيرانية القصيرة والجميلة هذه لا يمكن إعتبارها شاملة أو وافية، وهي أظهرت شعبا متنوع الاعراق  يعيش بسلام على الرغم من بعض المشاكل التي ذكرناها، على عكس لبنان الغارق بالنفايات والفوضى والخلافات السياسية والإهمال… وربم السبب هو في عدم التباهي باشكال التعصب كما هو الحال عندنا،  فلم نلحظ تلك الصور العملاقة لسياسيين إيرانيين كما هو حالنا هنا في لبنان.
وما لفت نظري هو حجاب الايرانيات في الشارع الذي يتّصف باللاحجاب، وليس إلاّ عبارة عن منديل موضوع على وسط الرأس من أعلى مع غرّة ظاهرة، ربما يدل ذلك على حب الايرانيات للعادات الأجنبية، ويظهر ذلك ايضا في ارتداء بنطلون الجينز والماكياج الفاقع والاكمام القصيرة والقمصان الضيّقة، حيث ينطبق عليهن مقولة أن الاسلام أصبح “شعارا” فقط.
هذا في حين أن الحارسات الايرانيات على مداخل المقامات يتشددن على الزائرات اللبنانيات لجهة إلباسهن التشادور، رغم أن التزامهنّ في اللباس أفضل شرعياً وأكثر احتشاما.

 

السابق
تجمع أصحاب الحقوق في وسط بيروت: قطع الارزاق الفعلي هو ما اقترفه مشروع الشركة العقارية
التالي
مقدمات نشرات الاخبار المسائية ليوم الخميس في 17/10/2015