هل سيدفع لبنان ثمن الموقف العربي من إيران الجديدة؟

لبنان كالعامل المياوم يسير في الاتجاه الذي يريده ربّ العمل، يوما بعد يوم؟ فماذا سيكون مصير قراراته الإقتصادية الحكومية بعد الانفتاح الغربي على إيران؟ وهل سيتمكن من مخالفة الأشقاء العرب في سياساتهم الاقتصادية تجاه ايران؟

يرى مناصرو ايران في لبنان ان بلدهم ضعيف وفقير ويعتاش على الهبات العربية والقروض الأمميّة وأنّه يجب ان يتنفّس مواطنوه الصعداء حين تمّ توقيع الإتفاق النووي الإيراني مع الدول الست قبل أسبوع، آملين أن تنحلّ عقدة رئاسة الجمهورية. لكن بعد مرور المرحلة الأولى، أي الصدمة الإيجابية، هل سيتمكن لبنان من العبور إلى المرحلة الثانية؟ وهل سيوفّق رجال الاعمال اللبنانيين وسيتمكنون من اللحاق بالركب الدولي والاستثمار في المشاريع المزمع تنفيذها في إيران بعد فتح أسواقها أمام العالم ؟

قبل أن يجفّ حبر الإتفاق الإيراني بين إيران والدول الست الكبرى، أي الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، وألمانيا، تتسابق الشركات الأميركية اليوم للاستثمار في إيران، وعلى رأسها شركتا “آبل” و”بوينغ”. كما توجّه عدد من رجال الأعمال الأميركيين الى إيران منذ ستة أشهر للبحث عن هذه الفرص. علمًا أنّ نحو ٦٠ % من الإيرانيين، البالغ عددهم حوالي٨٠ مليون نسمة، ينتمون الى الفئة الشبابية التي تعيش لحظة افتتان بكلّ إنتاج أوروبي وأميركي، بعد حصار طيلة ثلاثة عقود وأكثر.

هذا يعني أنّ سوقًا ضخمة ستُفتتح أمام الشركات الأجنبية بسبب القوّة الاستهلاكية الجديدة والضخمة والقدرة الشرائية التي سترتفع بعد رفع العقوبات. فالمجتمع الإيراني سيتبدل كليّا في شكله وعلاقاته ونمط عيشه بعد أن كانت الأبواب مغلقة أمامه، خصوصاً فيما يتعلق بالحداثة وأشكال التطوّر التقني والاداري والعلمي، بفعل سريان العقوبات الدولية الذي انهك البلاد وارهقها لسنين طويلة .

الإستهلاك سيكون المحرك القويّ للدول الست بعد أن كان مُقتصرا عل الصين وروسيا.. والعرب الذين يملكون الرساميل الضخمة سيكونون آخر من يستفيد من هذه الأسواق الجديدة نظرًا لموقفهم المناهض للإنفتاح على ايران. وذلك يعود إلى مواقفهم السياسية المناهضة لايران وسياستها في المنطقة، ولإعلانهم الريبة من إيران نووية يمكن ان تمثّل قوّة استراتيجية مضافة تزيد من زخم سطوة محورها الممانع على المنطقة ،علما أنّ تطمينات عديدة تلقّاها حكّام العرب من رأس الهرم الأمريكي في هذا الشأن، لكن دون جدوى.

لم يبق خارج الأسواق الجديدة إلا العرب واسرائيل، والأخيرة يمكن ان تعمد بحذاقة إلى توريد بضائعها تحت مسميّات عربية على الأغلب ستكون أردنية أو مصرية كما هو الحال مع السوق اللبنانية.

فالعالم بالطبع سيتغير إقتصاديا خلال السنوات القادمة، لأن السياسة الإقتصادية التي أضعفت أوروبا، ودخلت الى الولايات المتحدة عبر فضيحة (وولستريت) في العام 2008 كشفت ضعف البنيان القائم على الاستثمارات الوهمية، وهي لا تزال تضغط على الإقتصاد الأميركي حتى اليوم.

يبقى أن لبنان، بما لسياسييه من علاقات قويّة مع الدول العربية النافذة، سيدفع ثمن ارتباطاته، لأنّه لن يتمكن من الاستفادة من نتائج الإتفاق النووي، بل سيظل متخلّفا ولن يتمكن من إدخال خبراته العملانيّة الكبيرة الى إيران بسبب ارتباطاته السياسية والماليّة مع الانظمة العربية التي يخشى ان تهدّد بسحب ودائعها. وسيكون للمؤسسات الاقتصادية الرسمية والخاصة مأزقها الخاص.

فهل سيكون هذا البلد الصغير المحتاج الى معونة، هل سيكون الساحة الوحيدة التي سترسم صورًا للفشل الاقتصادي غير الواقعي، كما مرّ عليه في السابق حين كان يدفع دوما ثمن تأزّم العلاقات العربية – العربية؟

بالمقابل، فإن الخبراء الاقتصاديين يقولون ان لا تناسب في حجم الاستثمارات المالية والبشرية بالنسبة للبنان، بين الدول العربية وبين ايران، اذ يعمل في دول الخليج العربي عشرات الآلاف من اللبنانيين من جميع الطوائف والمذاهب منذ منتصف القرن الفائت، وقد قام الاقتصاد اللبناني على السياحة العربيّة وعلى الاستثمارات والودائع المالية الآتية من هذه الدول إلى لبنان التي بلغت عشرات المليارات من الدولارات. بينما تتوجّه المساعدات الايرانية المالية والعسكرية إلى حزب الله وتقتصر على المناطق التي يتواجد فيها جمهوره جغرافيا في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت.

السابق
حزب الله حاضر بدمائه وغائب في كلمة الأسد…
التالي
المشنوق اجتمع مع اتحاد بلديات الإقليم: لعدم استغلال موضوع النفايات في السياسة